إلغاء تنسيق الثانوية العامة.. "التعليم": المشروع مطروح للحوار المجتمعي.. وخبراء تربويون: هو كارثة
تظل "الثانوية العامة" بمثابة الداء العضال الذي تقف أمام حله عقول القائمين على الشأن التعليمي حائرة، وتتعدد التجارب وتكثر المحاولات على امل ان تصيب إحداها الهدف المنشود، لكن بلا جدوى.
كان آخر هذه التجارب المشروع الذي تعده وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع التعليم العالى لإنهاء مشكلة التنسيق من خلال تغيير النظام المعمول به حاليًا وإلغاء مكتب التنسيق.
وترى الحكومة ممثلة فى وزارة التربية والتعليم أن هذا الاتجاه يعد الخطوة الأولى نحو القضاء على مشكلات الثانوية العامة، بينما يحذر الخبراء التربويين من هذا المشروع، مشيرين إلى أنه سيزيد أعداد البطالة، وسيخرج أنصاف متعلمين، ويعطى الفرصة لتغول الجامعات الخاصة.
المتحدث الرسمى باسم وزارة التربية والتعليم محمد السروجى، أوضح أن المشروع المقترح يأتى فى إطار تقديم نظام جديد للثانوية العامة، يقوم على أساس أن تكون الثانوية العامة شهادة منتهية، يحق للطالب فيها أن يدخل الجامعة خلال خمس سنوات من وقت حصوله على الشهادة، ويؤكد السروجى أن المشروع لن يتم تنفيذه قبل طرحه للحوار المجتمعى من خلال خبراء التربية وأساتذة الجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية لتقييمه، مؤكدًا أن الوزارة وضعت جدولا زمنيا لهذه اللقاءات، لمعرفة جدوى المشروع قبل عرضه فى شكل قانون جديد على مجلس الشعب القادم.
وبحسب السروجى فإن المشروع يقوم على تغيير نظام القبول بالجامعات بحيث يكون عن طريق الاتفاق على حد أدنى للمجموع يؤهل للالتحاق بالتعليم الجامعى، وليكن مثلا70%، وكل من يتحصل على هذا المجموع يحق له دخول الجامعة، كما يحق له تأجيل دخول الجامعة وأن يلتحق بها فى أى عام خلال 5 سنوات، وأن كل كلية فى كل جامعة ستحدد احتياجها، وتعد مواد مؤهلة ونظاما للقبول بها، والطلاب الحاصلون على الحد الأدنى من المجموع، والذى سينص عليه القانون يتقدمون إلى الكلية التى يريدونها، ويتم قبولهم بها بعد اجتياز اختبارات القبول، وستختلف اختبارات القبول من كلية لأخرى حسب التخصص الذى تدرسه.
وبعض الكليات ستكون اختباراتها دراسة بنظام الساعات المعتمدة، وبعضها سيكون على هيئة كورسات دراسية، وبعد أن يجتاز الطلاب هذه الاختبارات تقوم إدارة الكلية باختيار العدد الذى تحتاجه من بين الناجحين.
وأكد أن نفس النظام سيكون للقبول فى الجامعات الخاصة، حتى لا يكون من يمتلك النقود يدرس نفس التخصصات بمجموع أقل، ومن يرغب فى الالتحاق بالتعليم الخاص يدخل وفقًا لهذه الشروط.
ومن ناحيته، وصف الخبير التربوى، الدكتور حسنى السيد، المشروع المقترح بالكارثة، معتبرًا أن مكتب التنسيق مازال هو الجهة الوحيدة التى لم تطأها قدم الواسطة، فمن يحصل على مجموع 96.1% لا يستطيع دخول كلية تقبل مجموع 96.2 %، والاتجاه نحو إلغائه يعنى أن المسئولين عن التعليم يريدون أن تتحكم الواسطة والمحسوبية فى نظام القبول بالجامعة، موضحًا أن هذا المشروع سيفتح الباب لتخريج أنصاف المتعلمين وسيزيد من اعداد البطالة، وهو يعني تهرب الدولة فى المستقبل من تحمل مسئولياتها فى توفير أماكن لكل خريجى الثانوية العامة، كما أنه سيفتح بابا خلفيا لزيادة نفوذ الجامعات الخاصة، التى يمتلك رجال الأعمال فى جماعة الإخوان المسلمين عددًا كبيرًا منها.
وفى سياق متصل، رفض الدكتور عصام قمر، رئيس شعبة السياسات التربوية بالمركز القومى للبحوث التربوية، ما اسماه بـ"فوبيا الإخوان"، وقال لا أميل إلى الرأى الذاهب بإلصاق كل تهمة بجماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت بعض المؤشرات تقول إن جماعة الإخوان المسلمين تحاول فرض سيطرتها على كل المصالح والمؤسسات الموجودة فى البلد.
وانتقد المشروع المقترح مؤكدًا أن تغيير نظام القبول فى الجامعات يحتاج إلى إعادة نظر فى المنظومة كلها، فلا يمكن حل جزء مع ترك باقى الأجزاء، وقال إن المنظومة التعليمية القائمة تعتمد على المجموع فقط، وهذا نظام فاشل، فلابد من معرفة قدرات الطالب، وإمكانياته من البداية، وهناك تجارب فى بعض الدول الأجنبية يقوم نظام التعليم فيها على الأطفال، فيقوم المسئولون عن التعليم بتطبيق عدد من الاختبارات على الطلاب الصغار لقياس مهاراتهم وكفاءاتهم، وبحسب تلك المهارات والكفاءات يتم توجيه الطلاب لنوعية التعليم التى تناسب قدراته وإمكانياته، لكن ما يحدث في مصر عكس ذلك تماما حيث نترك الطالب حتى يصل إلى الثانوية العامة ثم يكون المقياس هو عدد الدرجات التى استطاع تحصيلها.
واعتبر أن فى النظام المقترح جوانب عديدة من القصور لأنه سيضع الطلاب فى مأزق كبير يتعلق بجزئية تجاوز الاختبارات دون قياس لمعرفة قدراته بالفعل، مؤكدًا أن هذا النظام إلى تغول الجامعات الخاصة وسيزداد نفوذ أصحابها وسيتحولون إلى منقذين للحكومة من ورطة توفير الأماكن ونعيد تجاربنا مع المدارس الخاصة والدولية القائمة حاليا.
من جهته، أكد الدكتور محمد فتح الله، خبير التقويم التربوي بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، أن المشروع المقترح غير واضح المعالم، وحذر من إلغاء مكتب التنسيق باعتباره الجهة الوحيدة البعيدة عن الفساد، وهو الجهة الوحيدة فى الدولة البعيدة عن الواسطة والمحسوبية، مؤكدًا ان هذا النظام حال تنفيذه سيزيد من أعداد من وصفهم بأنصاف المتعلمين الذين توقف تعليمهم عند الثانوية العامة، ولم يكملوا تعليمهم، مشيرًا إلى أن النظام المقترح يخدم سياسات أصحاب الجامعات الخاصة اكثر مما يخدم العملية التعليمية فى مصر، واشترط أن يكون نظام القبول فى الجامعات قائمًا على أسس ثلاث تشمل درجات الثانوية العامة واختبار استعداد الدخول للجامعة واختبار التأهيل للكليات، ثم ملف إنجاز المتعلم، فيما أوضح أن كل هذه الأمور لابد من وضعها فى الاعتبار، وان يكون هناك ارتباط بين درجات الطالب فى الثانوية العامة، وبين درجاته فى المواد المتخصصة، معتبرًا أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسات علمية أكثر من احتياجه إلى قرار سياسى.