رئيس التحرير
عصام كامل

سيادة وزير الري..من فضلك قول لوزير النقل!


هذه رسالة في الأصل موجهة للسيد الدكتور أو المهندس وزير النقل، سأقوم بتحميلها على سبيل الأمانة للسيد الدكتور المُهندس برضو وزير الري، لكى يتم إيصالها للباشا الوزير المُستهدَف بأى طريقة، يعنى عن طريق تليفون ما بينهم لو كانوا بيردوا على بعض، إيميل أو سكاي بي أو حتى واتس آب.. أو لو شافوا بعض في اجتماع مجلس الوزراء، يبقى كتَّر خير الدُنيا أوى، وياريت يتم تبليغ الرسالة قبل ما البلد تخرب بزيادة!

الموضوع وما فيه يا عزيزى وزير الرى، وكما قد يفهمه عزيزنا وصديقنا المُشترك وزير النقل، لو كان عند حضرته استعداد، هو كوارث وبلاوى تجرى في قطاع السكك الحديدية، الشهير بالاسم المُختصر س. ح. م.. حاجة كده زى ش. م. م. وما شابهه من مصطلحات مُختصرة المفروض إننا لما اخترعناها زمان مكانش عندنا وقت للرغى، وكان كُل وقتنا مُسخَّر للعمل فحسب، ومش فاضيين قال إيه نتكلم، أو حتى نشرب سيجارتين، وكان مورناش غير الشغل، مش تزويغ وأعذار، واللى رايحة ترضَّع العيِّل مع إنها مش متجوزة، واللى رايح يدفِن أمه للمرَّة التالتة، واللى رايحين يعتصموا علشان مش عاجبهم الزيادة البعد الأخيرة للمُرتب اللى زاد يادوب للأربع أضعاف في فترة لا تتجاوز سنتين فحسب!

محسوبك يا سيدى الفاضل كان راكب القطر المُميز، اللى هو الأزرق ده، اللى بالبلدى كده قطر الدرجة الثالثة، اللى إحنا بنحب ندلَّعه علشان نقول عليه إنه حاجة ما شاء الله كبيرة، زى كده ما بنقول على السباك دكتور، وعلى الميكانيكى باشمهندس، مع إن القطر مش عيب، قصدى الشغل مش عيب، المُهم كُنت راكب القطر، زيى زى ملايين المصريين يعنى، ما هو الكاتب ده مش لازم يفضل لازق في القطر المُكيف على طول، ويخرُج منه للطيارة يعنى، أهو لازم يعانى زى بقية الشعب، وعلى فكرة مش كُل الكُتاب بياكلوها والعة، لأ فيه كُتَّاب غلابة زينا، بناكُل فول وطعمية، وبنشرب ميَّة من الحنفية (دى بالذات لوزير الرى)، وبنركب القطر القشاش (دى بئا لوزير النقل)!

طيب حصل إيه؟ في المرَّة الأولى لم أنتبه جيدًا للظاهرة، قررت تكرار العملية رغم صعوبتها الشديدة، كُنت قد استخرجت تذكرتى التي قمت بشرائها من محطة مصر، وأنا في غاية الخجل بسبب خطأ من موظف الشباك؛ حيث منحنى تذكرة قطار العاشرة، وكنت قد طلبت تذكرة قطار الثامنة، كُنت فاكر زى بعض من حضرات السادة غير المجربين إن العملية محكومة، وإن مينفعش تركب بتذكرة عشرة قطر تمانية.. أخرجت التذكرة للسيد المُفتش وأنا أتصبب عرقًا وخجلًا، أو بالأصح كُنت أشرع في إخراجها، فأشار لى بكفه ألا أفعل، قولت يمكن فاكرنى هاطلَّع مُسدس واللا مطوة، أخطف القطر واللى فيه، حاولت طمأنته، لكنه طمأننى بما فيه الكفاية عندما انصرف من أمامى، ليقوم في أقل من 3 ثوانٍ بإنهاء التعامُل مع السادة جيرانى في مقعدين مُتقابلين، والسادة جيراننا في المقعدين المُتقابلين المجاورين، يعنى خلَّص مع 7 أنفار في الثوانى الثلاثة، ما شاء الله، الراجل ده عايز مكافأة إنجاز!

فين المُشكلة؟ المُشكلة إن مفيش تذاكر اتقطعت.. قولت يا واد إنت مشوفتش كويس.. إنت أكيد عينيك فيها حاجة.. طيب نكرر التجربة، قُمت بتكرارها بعد أيام في قطار آخر، نفس الدرجة والنوعية، لكن ليس نفس المُفتش قطعًا، لم أحجز تذكرة من المحطة، قولت نشوف المُفتش هايعمل معانا إيه.. فوجئت قبل قدوم سيادة المُفتش بحوار جار كالتالى والله العظيم:

هو: هات جنيه.
أنا: ليه؟
هو: علشان ندفع الأجرة.
أنا: هي الأجرة جنيه؟!

ابتسم سيادته كأنه يتحدث لطفل ساذج، وتلفَّت حوله، وضحك هو والسيدين الجارين لنا، وقال بسُخرية شديدة: هانقول للمُفتش إننا مباحث!
فهمت اللعبة، قُلت لنفسى مستحيل يكون كُل المُفتشين كده، أكيد المرَّة اللى فاتت كانت صُدفة، وجاء المُفتش من غيهب الغسقِ كأنه الكوكب الذُرى في القطرِ يا سيدى الفاضل، منحه صاحبنا الأربعة جنيهات، فسأله باستنكار: إيه ده؟ قولت أنا لنفسى: الحمد لله، الدُنيا لسَّه بخير، بلدنا فيها أمل.. قال له جار ببساطة شديدة: أنا لميت لك الأجرة بدل ما أتعبك، مال نحوه المُفتش، وهو يقول (وأقسم بالله): ماشى بس لازم أعمل كده علشان محدش ياخُد باله!

مين اللى مياخُدش باله يا سيدنا؟ ده القطر كُله ماشى على النظام ده، وواضح إن هيئة السكك الحديدية س. ح. م. كُلَّها ماشية بهذا النظام.. والمفروض نسميها س. ح. هبش.. أخونا المُحصل أو المُفتش بيكتفى بالجنيه من كُل راكب، أو علشان منظلموش من 90% من الرُكاب المفتحين اللى فاهمين الدُنيا كويس، مش الرُكاب الأقفال اللى زى حضرتى في الماضى، وبالتالى بيضرب الفلوس في جيبه، منها يوفَّر على السادة الرُكاب سعر التذكرة اللى بيتراوح من 4 إلى 10 جنيهات حسب المشوار، وياخُد لنفسه أوفرتايم وعلاوات يومية ذاتية، والقطار اللى المفروض رحلته بتتكلف مثلًا 15 ألف جنيه، علشان تجيب إيراد للمصلحة 30 أو 40 ألف جنيه، أصبح بيتكلِّف نفس الخمستاشر ألف جنيه، لكن مش بيجيب إيراد أكتر من 300 أو 400 جنيه مثلًا!

بسؤال أصدقاء ومعارف، اكتشفت أن الأمر ظاهرة طبيعية جدًا، ومنتشرة جدًا جدًا، ومعروفة جدًا جدًا جدًا، فاعتذرت بسبب جهلى، وطبعًا السادة المواطنون المُشاركون في هذه الجريمة لا يتخيِّروا عن السيد المُفتش، كُلهم اعتصموا واعترضوا على غلاء المعيشة، وطالبوا بزيادة الرواتب بسبب ارتفاع أسعار المواصلات والبنزين، وطبعًا مُرتب السيد المُفتش شغال وزى الفُل، لكن القطر يحب الزيادة، ويا بخت من نفَّع واستنفع، ولا تسألنى أرجوك عن مباحث السكة الحديد، أو شُرطة النقل والمواصلات، أو الناس دى، فكُلَّها أمور من أيام الخديوى (عبد الواحد عبد الصمد) لم يعُد لها وجود، زيها زى الاحترام ومنح البلد حقها على أساس إن اللى رايح للحكومة مفقود، فخلينا نقضيها مع بعضينا، وبارك الله فيما رَزَق.. إحنا أصلنا شعب متعاون بطبعه!

سيادة الوزير.. ماذا نحن فاعلون في هذه المصيبة السوداء؟ وإزاى يبقى لينا عين نتكلم عن الرغبة في التطوير والتحديث والحَد من خسائر القطاع، وبالتالى خسائر الوزارة والدولة والاقتصاد، وإحنا سايبين الحنفية خربانة بالشكل ده؟ عن نفسى قررت عدم تكرار هذه التجربة، أصلى بصراحة مش ناقص حرق دم، طيب ماذا عن سيادتك، مُمكن الرسالة توصلك فعلًا؟ طيب هل مُمكن تاخد إجراءات؟ واللا هاتعمل زى حالاتى وتقرر عدم تكرار التجربة إنت كمان، علشان منتاش ناقص حرق دم برضو؟!
الجريدة الرسمية