الخروج من "الجنة".. حكاية انشقاق "ثروت الخرباوى"عن تنظيم "الإخوان" (1)..محاكمة عشوائية من 3 قيادات بالجماعة.. والخرباوى يحتج على طريقة إدارتها ويلوم نفسه بالانصياع لها
كشفت الخلافات التى نشبت فى الجماعة وقت انتخابات مكتب الإرشاد وانتخابات المرشد الكثير من الأخطاء فى بعض بنود اللائحة حتى أن بعض قيادات جيل السبعينيات كتب منتقداً عوار اللائحة وخلوها من طريقة شرعية لمحاكمة من يرتكب تصرفات تخرج عن نطاق اللائحة، وهو ما يؤكد أنه لا توجد قواعد تنظم المحاكمات التى تجرى داخل الجماعة ولكنها تتم بشكل عشوائى.
وكشف مختار نوح القيادى السابق بالجماعة فى عدة مقالات غياب العدالة داخل الجماعة حتى أنه اضطر إلى أن يجمد نفسه لأنه تقدم بشكوى للمرشد اعترض فيها على إقالته من موقعه كمسئول قسم المحامين إلا أن أحدًا لم يلتفت لهذه الشكوى ولم يفكر أحد فى إجراء أى تحقيق يكشف عن المسئول عن هذه الإقالة وأسبابها.
أما ثروت الخرباوى الذى كان مسئولًا عن انتخابات المحامين والمخطط الأول لها فضلًا عن أن مكتب الإرشاد أسند إليه مسئولية إدارة لجنة أطلقوا عليها لجنة المعركة، كانت هذه اللجنة مسئولة عن التخطيط لمواجهة الحكومة فى قضية محاكمة الإخوان فى المحكمة العسكرية فى القضية التى عرفت باسم "قضية النقابيين" والتى كان مختار نوح أحد المحبوسين فيها والمرشد الحالى محمد بديع أحد أفرادها ومعه عضو مكتب الإرشاد محمد بشر .
لم تكن مسئولية الخرباوى هى إدارة القضية من الناحية القانونية ولكنه كان هو المسئول عن إدارتها سياسيًا وتفعيل أحداثها أمام الرأى العام وجلب تعاطف الجماهير مع الإخوان، إلا أن البعض وقف ضد ثروت الخرباوى ووجهوا له اتهامات عديدة فتمت إحالته إلى محكمة إخوانية وصفها هو بأنها محكمة عبثية وقضاتها لا يعرفون وهم لا يعرفون أنهم لا يعرفون!!
ونظرًا لأهمية المحاكمة لأنها تضع صورة تفصيلية لكيفية محاسبة ومحاكمة الإخوان لأعضاء الجماعة فإننا سننقلها بالكامل من كتاب "قلب الإخوان" الذى صدر مؤخرًا عن دار الهلال من تأليف ثروت الخرباوي:
قال ثروت الخرباوى فى كتابه: بحجرة مكتب المهندس ممدوح الحسينى حيث تتناثر الخرائط الهندسية وتختلط بكتيبات بها أذكار الصباح والمساء وكتب عن تاريخ الإخوان، فى مقر شركته للمقاولات الكائنة فى عقار شاهق بأحد الشوارع الرئيسية بالحى الثامن بمدينة نصر كانت المحاكمة.
جلس الحاج جودة شعبان رئيس المحكمة بين العضوين ممدوح الحسينى عضو اليمين ومجدى عبد الله عضو اليسار، أما الحاج جودة فهو نائب رئيس منطقة شرق القاهرة وهى من أكثر المناطق الإخوانية اتساعًا وعددًا وأهمية، كما أنه أحد أفراد الرعيل الأول من الإخوان وكان قد حُبس فى قضية «محاولة اغتيال عبد الناصر» عام 1954 المعروفة بحادث المنشية حيث خضع وقتها لمحاكمة عسكرية قذفت به فى السجن سنينا عديدة، فقد كان وقتها من رجال التنظيم الخاص، ولبث فى سجنه إلى بدايات السبعينات حين أفرج عنه الرئيس السادات مع من تم الإفراج عنهم من الإخوان، وهو رجل فى أواخر العقد الثامن من عمره، ضامر الوجه نحيل الجسد، نظارته الطبية ذات العدسات السميكة تغطى نصف وجهه تقريبًا، له لحية خفيفة ويرتدى حلة صيفية شاحبة اللون، يبدو من سيماه أنه لم ينل حظا من التعليم ـ توقف عن التعليم قبل الابتدائية ـ وكان فى مطلع شبابه وسابق أيامه قد انخرط فى مهنة الصباغة كعامل بسيط إلى أن تم سجنه فى منتصف الخمسينات ثم التحق بشركة الشريف للبلاستيك فى منتصف السبعينات بعد أن خرج من محبسه إلى أن خرج على المعاش، يظهر من حديثه ضحالة خلفيته الثقافية ومحدودية أفقه، أما عضو اليسار الأخ مجدى عبد الله فهو متوسط العمر متوسط الطول يميل جسده للامتلاء، يرتدى حلة صيفية زرقاء تشبه الحلة التى يرتديها أفراد الأمن فى الشركات الخاصة والبنوك، لم يستطع استكمال تعليمه العالى فاكتفى بالحصول على شهادة فنية متوسطة، عمل لفترات فى شركة الشريف للبلاستيك إلى أن تقوض بنيانها فهجرها إلى مشروع خاص شاركه فيه بعض الإخوان، أما وقت المحاكمة فقد كان يشغل موقعا قياديا متميزا فى الجماعة تنوء به وبمسئوليته العصبة من الرجال أولى الفهم والإدراك وهو مسئول منطقة مصر الجديدة التى تضم صفوة الصفوة من الإخوان وزبدة مثقفيها، أما عضو اليمين فهو المهندس ممدوح الحسينى مسئول مدينة نصر.
عندما ألقيت عليهم السلام بابتسامة موجوعة عاتبت نفسى فى داخلى أو بالأحرى عاتبتنى نفسى وأوجعتنى ... "كيف بالله عليك تقبل هذا العبث المقيت السخيف؟!! "، "أأنت مسلوب الإرادة إلى هذا الحد أم أنك تعودت على قيود سجانك حتى أصبح السجن هو الحياة ؟ !! "، " أليس من الأكرم لك أن تنسحب من هذه اللعبة المهينة ؟ "، "قل لهم : لن ألعب وانصرف .. أو اتركهم فى غيهم يعمهون"، " فك سلاسلهم التى قيدتك، فسلاسلهم التنظيمية لا قيمة لها فهى كقبض الريح أو كسراب خادع ساذج".
وعلى عكس ما دلت عليه نفسى الثائرة جلست أمامهم هادئًا طيعاً لا حول لى ولا قوة، وكأن خضوع الإنسان للقيود والأغلال التى ألفها واستكان لها زمنا، يطمس فيه نزعة الحرية ويجعله سلس القياد، وهكذا يستطيع الطغاة قيادة شعوبهم .
هش الحاج جودة فى وجهى وقام باهتمام زائد يستقبلنى وتبعه أعضاء المحكمة الذين قبلوا كتفى بمبالغة غير مفهومة، ثم دار حديث قصير بيننا عن أحوال الجو والزحام والمواصلات وأبدى الحاج جودة تبرمه من زيادة الأسعار، وما لبث الحديث أن انعطف حول نقابة المحامين وأحوالها وانتخاباتها الفائتة ونجاح الإخوان فيها، وعند هذا الموضع قال الحاج جودة وهو يتعمد عدم النظر ناحيتي: ما هو موضوع خلافاتك يا أخى مع إخوانك فى النقابة.
قلت له وأنا أنظر إلى موضع قدمي: هل هذا السؤال مجرد دردشة؟ أم أنه تحقيق أو محاكمة؟
قال وقد بدا عليه الانزعاج: محكمة ماذا والعياذ بالله، أنا فى مقام أبيك وهؤلاء إخوانك ونحن نتحدث معك لأن هناك شكوى مقدمة ضدك، وأبوك الحاج مصطفى أمر بتشكيل لجنة لمتابعة هذا الأمر والوصول لوجه الحق فيه ونحن أعضاء هذه اللجنة.
قاطعته بابتسامة: يعنى يا حاج جودة أنتم لكم سلطة توقيع جزاء على المخطئ .... هه ؟
قال بثقة: نعم
تابعت الحديث قائلا : إذن أنتم محكمة ..
تدخل الأخ مجدى عبد الله قائلا: ولتكن محكمة يا أخى فما الضير فى ذلك؟
قلت دون أن أنظر إليه: الحقيقة هناك قواعد للعدالة حض عليها الإسلام يجب أن تتبعها المحكمة
فبادرنى الحاج جودة: لا إله إلا الله ... وهل نحن خالفنا الإسلام يا أخى الحبيب
استطردت: ينبغى أن يتم إخطارى بالمحاكمة وموضوعها قبل الجلسة بوقت كاف لأعد دفاعى فلا ينبغى أبدًا مباغتة الشخص بمحاكمة لا يعرف أسبابها.. وأكملت: ثم أننا تحدثنا باستفاضة من باب الدردشة والمودة قبل البدء فى المحاكمة عن الانتخابات فى النقابة فإذا كانت المحاكمة ستتضمن تلك الانتخابات فإن حديثنا عنها باطل وهو فى الشرع استدراج لا يجوز.
وهنا تدخل ممدوح الحسينى قائلًا: ليس استدراجا يا أخى الحبيب يجب أن تحسن الظن فى إخوانك
قلت وكأننى أعاتبه: لا علاقة لحسن الظن بما أقول ولكنها قواعد عامة يجب أن تتبع
فرد معقبا: عموما يا أخى سنعطى لك الفرصة التى تريدها ... خذ هذه الورقة فهى تحتوى على موضوع الشكوى المقدمة ضدك وسنعقد غدا فى ذات الموعد والمكان جلسة أخرى لاستكمال الموضوع وستكون هى الجلسة الختامية إن شاء الله.