رئيس التحرير
عصام كامل

حيث لم يصل السندباد

فيتو

ما هو مقياس الشجاعة؟ السير على حبل مشدود بين مبنيين؟ تسلق جبال هملايا في البرودة القارسة؟ استطلاع الحياة في القطب؟ السفر إلى، وفي، الفضاء وكأنك تجول في حديقة عامة؟ مواجهة دبابة؟ عبور المحيط على قارب صغير؟ القفز بمظلة من مدار الأرض؟

لم يكف الإنسان عن الذهاب بالشجاعة البشرية إلى أقصى حدودها، فيما يسبر أغوار عالمه ويستكشف مدى محدوديته هو، هذا المخلوق الضعيف، الذي لا يتوقف عن محاولاته في السيطرة على المخلوقات الأخرى، مرة يركب الأفيال، مرة يعزف للأفعى لترقص، مرة يروض الأسود والنمور.
شاهدت فيلما وثائقيا فائق المتعة، حول كيفية تصوير الأفلام عن حياة الغابة، أو «الغابة الداخلية» كما كان يسميها المغامرون، أي أعماق الغابات. أعادتني الآلات الشديدة التطور والمعدات والمؤن والاستعدادات، إلى ما قرأته عبر السنين عن رحالة القرنين الثامن والتاسع عشر.
عندما كان المستكشف البريطاني ريتشارد بورتون، عام 1856 يهيئ قافلة الحمالين التي سترافقه في غابات زنجبار بحثا عن منابع النيل، لاحظ الدبلوماسي البريطاني المقيم هناك، آثار طعنة من حربة على وجه بورتون، كان قد تلقاها في مغامرة أفريقية سابقة، وهكذا راح يحاول إقناعه بعدم القيام بالرحلة الحالية. وروى له حكاية رحالة فرنسي وقع بين أيدي الجماعات «الداخلية» في الصومال، إذ أوثقوه إلى شجرة وراحوا يقطعون أطرافه.. إلى أن أشفقوا عليه في النهاية وقاموا بقطع رأسه.
استمع بورتون إلى التحذير ثم أخذ فريقه ومضى. كان أول فريق رحالة جاء إلى شبه الجزيرة، مؤلفا من مجموعة دنماركيين وألماني (1762) بقيادة كارستن نيبور. مات في اليمن معظم الفريق من الأمراض، وخصوصا الإسهال والحمى. ومات رحالة كثيرون في أفريقيا بالملاريا. ولذلك بعد الرحلات الأولى تعلموا أن الأهم في المؤن هو الأدوية. واستطاع تشارلز دوتي صاحب «الجزيرة العربية» أن يكتسب رضا السكان بسبب ما كان يحمل من أدوية. غير أنه قام برحلته المذهلة كلها وليس معه سوى 13 جنيها إسترلينيا. وحتى المرأة البريطانية جاءت مستكشفة في فضاء الصحراء العربية. غيرترود بل في القرن الماضي، وقبلها الليدي هستر استانهوب في القرن التاسع عشر. وكانت الحياة صعبة على البدو، فكيف كانت على القادمين من «بلاد الإنجليز». رأى السندباد البحري أهوالا كثيرة في ترحاله، لكنه لم يبلغ في الحقيقة، المجاهل التي وصل إليها المستكشفون الأوروبيون، الذين فتحوا الباب أمام طرق التجارة والاستعمار. كوفئ بورتون فيما بعد بأن جعل قنصلا في دمشق. الجغرافيا والسياسة واحد.
نقلاً عن الشرق الأوسط
الجريدة الرسمية