زهوة الشعر
في الثورات ونقط التحول الكبري يكون الشعر هو الفن الأقرب استجابة من بين الفنون الأخري.. طبعا الآن أضيفت إليه فنون مثل الجرافيتي والتصوير.. لكن الشعر أيضا في أوقات الانكسار أو الفشل يكون هو الأكثر استجابة كذلك! هنا يتفوق على التصوير والجرافيتي.. وربما تبدأ الرواية كفن في الصعود أكثر في أوقات الانكسار حتى لو تحدثت عن الثورة. تكون قد اختمرت في أرواح الكتاب أو تكون الثورة قد صارت حلما قديما بعيدا.
هذا الحديث هو بوجه عام، لكن دائما هناك استثناءات، وبقدر ما تكون الرواية محيرة يكون الشعر غير محير فهو يظل الأقرب دائما للاستجابة في كل المراحل، وسواء اتسم الشعر بنزعة وجودية يائسة أو نزعة ثورية، فهو في كل الأحوال يشير إلى ما هو أفضل. وأي مراقب لثورة يناير يستطيع أن يقرر أن مئات وآلاف القصائد أنشدت في الميدان وبعد الميدان وحتى الآن، كان فيها حماس ثم صار فيها تأمل فيما جري وعدم رضا. ومن ثم قد يتوقف الشعر الثوري مع الانكسارات ويعود الناس لاستدعاء شعراء وقت سابق كان هو وقت الانكسار. في وقت النصر لا يتم الاستدعاء كثيرا لأن الشعراء يصدحون. لكن وقت الانكسار تخفت أصواتهم قليلا وينزعون إلى التأمل والدهشة ويبحث الناس عن شعراء أقدم لديهم حكمة السنين.
ومن هنا يأتي أمل دنقل بقوة الآن على الإنترنت. سواء محذرا بقصيدة لا تصالح أو البكاء بين يدي زرقاء اليمامة أو المجد للشيطان أو غيرها. تبتعد الكعكة الحجرية. وتجد أيضا محمود درويش حاضرا بقوة باحثا عن وطن هو خبز أمه.. وحين يشتد اليأس أكثر تجد نجيب سرور وشتائمه تنفيسا عن الروح.. كما عاد أحمد فؤاد نجم إلى مشهد المعايرة وكأن الأمس قبل ثورة يناير 2011 هو اليوم. وهكذا كل من قرأ شعرا أو لم يقرأ إلا أشعارا بسيطة يجود بها على صفحات الإنترنت للأبنودي وحجاب وجاهين والأسماء التي ذكرتها وكلها تبدو يائسة أو مشجعة على الأمل في كسر حاجز اليأس أو على الأقل مطمئنة نفسيا قليلا كما هو الحال في "أميّات نجيب سرور" التي تحتل فيها الشتيمة مكانا أولا.
إذًا، هل هذه العودة إلى الشعر نوع من الاستسلام لما جرت به الأقدار وانتهينا لا نعرف ما نراه أمامنا غير كلام جميل، لكن الذي يحدث يأخذنا إلى الخلف خاصة فيما يختص بالحريات التي دونها خسر عبد الناصر والسادات ومبارك ومرسي. هل هناك درس أكثر وضوحا مما جري. ثم يبدو الحديث عن الإرهاب ذاهبا إلى فرض الصمت الكبير أو التصريح بالضجة التي لا طحن فيها بالإعلام. هذا الصمت سيعود بالشعر إلى المقدمة. ستتردد مقاطع من الناس في بلادي لصلاح عبد الصبور أو مدينة بلا قلب لأحمد عبد المعطي حجازي، ولكن هذا لن يعني أبدا أن الناس ستنصرف إلى بعضها تلوم زمانها. قد يعني نوعا من المخدر، لكن مؤكد يعني نوعا من الأمل. وسيزداد الرفض في صمت.. فإلي الشعر دائما.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com