الموت بأمر الحكومة.. مذكرة تعديل قانون الأبحاث الإكلينيكية.. إجازة إجراء التجارب على «المشردين» و«السجناء» و«المدمنين».. 50 ألف جنيه «غرامة» لكل باحث يخفي آثارً
«العملية نجحت لكن المريض مات».. خلال الأيام المقبلة ستصبح هذه العبارة - الكوميدية - واقعية وتحدث على أرض مصر، خصوصًا في حال دخول قانون «تنظيم الدراسات الطبية السريرية» حيز التنفيذ.
القانون «المُعدل» يحاول إظهار أن ثمة حقوقًا سيحصل عليها المصريون الذين تُجرى عليهم أبحاث علمية أو بوضوح «الذين يتحولون إلى فئران تجارب» لكن «الشيطان يكمن في تفاصيل ومواد هذا القانون» لكونه لا يعطى ضمانات واضحة لآلاف سيخضعون لأبحاث علمية بعضهم بعلمه وبموافقته والبعض الآخر «لا حول له ولا قوة من الأمر».
«فيتو» تنشر تقريرًا أعده متخصصون وممثلون لجهات رسمية في مصر حول قانون «تنظيم الدراسات الطبية السريرية»، وفى المقابل اعتراض خبراء مختصين عليه تحت بند منافاته لحقوق الإنسان.
هذا القانون يتيح للباحثين إجراء تجارب الأدوية والعقاقير الجديدة على المرضى المصريين قبل إجرائها على نظرائهم من المرضى في بلد المنشأ.
ومسودة القانون التي يتم طرحها على مجالس الجامعات، لعرضها على مجلس النواب المقبل، تتضمن 18 مادة تمنح الأطباء الحق في إجراء التجارب المعملية على المرضى النفسيين والمساجين والحوامل وفاقدي الوعي والأطفال، كخطوة يراها بعض الأطباء ضرورية لتقنين تجارب شركات الأدوية على المرضى، التي تتم دون رقابة، بينما يرى الحقوقيون أنها تحول المصريين إلى «حقل تجارب» للشركات العالمية.
أما الجهات المشاركة في تقييم القانون فهي: «وزارات البحث العلمي، الصحة، التعليم العالي، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، دار الإفتاء المصرية، ممثلون عن الجامعات المصرية ومراكز ومعاهد البحوث».
«اكتب شهادة وفاتك بنفسك»
أخطر ما في قانون «تنظيم الدراسات الطبية السريرية» ما يعرف بموافقة المبحوث بمعنى أن «المواطن المصري الذي وافق على الخضوع للبحث كحقل تجارب يكتب شهادة وفاته بيده».
وتنص شهادة الوفاة المقصودة على تأكيد الشخص طوعًا وبحرية استعداده للمشاركة في الدراسة بعد أن يتم إعلامه وتفهمه جميع جوانب الدراسة حتى وإن كان المريض جاهلا بكل شيء.
ورغم أن القانون ينص على ضرورة إبلاغ المبحوث لجميع جوانب الدراسة، فإنه ينص أيضًا على إمكانية إجراء التجارب على فاقدي الوعي وأصحاب الاضطرابات العقلية.. والأزمة هنا «كيف لهؤلاء أو الأطفال فهم واستيعاب جوانب الدراسة؟»
«كله بالقانون»
أبرز ما في موافقة الشخص هو توثيق ما يعرف بـ«الموافقة المستنيرة» عن طريق تحرير وكتابة استمارة معدة مسبقًا لهذا الغرض وتكون موقعة ومؤرخة من الشخص ذاته أو من ينوب عنه قانونًا في حالة الفئات «فاقدة الوعي أو غيرها».
هنا تدخلت اللجنة المشتركة وأضافت تعريف «الأمراض اليتيمة»، ويقصد بها الأمراض النادرة التي تصيب جميع الأعمار بمعدل أقل من 5 حالات بين كل 10 آلاف عنصر، ويعني ذلك إجراء الدراسة على المرضى الذين يعانون من الأمراض اليتيمة التي تصيب عددًا قليلًا من المرضى.
فقرة جديدة يتضمنها مشروع القانون وتتمثل في «الفئات سريعة التأثر»، وهم الأشخاص الذين يستجيبون للأبحاث، وخاصة من «الأطفال والنساء الحوامل والأميين وذوي الاضطرابات العقلية، فاقدي الوعي الدائم، والمساجين والمدمنين، الفقراء».
أزمة الفئات سريعة التأثر تكمن في كونهم يعانون قصورًا في القوة أو الذكاء أو الثقافة أو الموارد، ومن بين هؤلاء «المشردون،، الفقراء، المساجين، المدمنون، فاقدو الوعي المؤقت أو الدائم، المصابون بأمراض تهدد الحياة، والفئات المستضعفة، مثل بعض طلاب الطب والتمريض والعلوم الصيدلانية الذين هم تحت تأثير الباحثين».
«فضيحة الآثار الجانبية»
أبرز الأمور المقلقة في مشروع القانون تلك المادة الخاصة بـ«المستحضر الوهمي» والذي يتمثل في إعطاء المبحوث دواءً وهميًا محل الدراسة المقامة عليه لكنه لا يحتوي على المادة الفعالة.
ويؤكد القانون أن أي آثار جانبية غير مرغوب فيها طبيًا، متوقعة كانت أو غير ذلك يجب عدم إعلام المبحوث بها، بمعنى أن المبحوث لا يعرف الآثار الجانبية قبل إجراء الدراسة حتى وإن كانت تضر به.
مشكلة أخرى تمثلها مادة توزيع كتيب على المرضى يتضمن الآثار الجانبية والسمية للدواء على الإنسان أو الحيوانات، لكن القانون لم يحدد ما يجب فعله مع المرضى الذين لا يقرءون أو فاقدي الوعي.
الضرورات تبيح المحظورات
أما دليل الباحث فهو كتيب يجهزه الراعي للدراسة عن مستحضر ما أو منتج يحتوي على وصف موجز للمادة الدوائية وتحضيرها، وموجز ثان للآثار الدوائية والسمية لهذا الدواء على الإنسان أو في الحيوانات وإلى الحد المعروف عنها في البشر، وملخص ثالث للإتاحة الحيوية والأداء البيولوجي للدواء في الحيوانات وما هو معروف في البشر.
كما يجب أن يحتوي دليل الباحث على ملخص للمعلومات المتعلقة بالسلامة والفعالية في البشر ووصف للمخاطر المحتملة والآثار الجانبية المتوقعة على أساس الخبرة السابقة مع الدواء قيد التحقيق أو مع أدوية ذات الصلة والاحتياطات وطرق المراقبة التي ينبغي القيام بها كجزء من استخدام الفحص من المخدرات.
واقترحت اللجنة المشكلة تقسيم هذا الفصل إلى جزأين، على أن تكون حقوق المبحوثين منفصلة عن الموافقة المستنيرة.
وتتم حماية الباحث من خلال التزام كل المشاركين في البحث بالمواثيق والقوانين واللوائح المصرية، وكذلك المبادئ الأخلاقية الدولية ذات الصلة، وحصول راعي الدراسة أو الباحث الرئيسي على الموافقة الكتابية لإجراء البحث من لجنة أخلاقيات البحوث الطبية.
فضلا عن ضرورة حصول الباحث على الموافقة المستنيرة الموثقة من المبحوثين قبل إجراء البحث، دون إكراه أو إغراء، وفقًا للإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وفي حالة عدم أهلية المبحوث تكون الموافقة المستنيرة من وليه الشرعي أو ممثله القانوني.
ويجوز إجراء البحوث الطبية السريرية (الإكلينيكية) على الفئات سريعة التأثر إذا توافرت المبررات العلمية والأخلاقية للاستعانة بتلك الفئات مع توضيح المزايا التي تعود على تلك الفئات بعينها من نتائج البحث، على أن يقوم الباحث وراعي الدراسة ببيان الضمانات المتخَذة لعدم التأثير فيها عند الحصول في الموافقة المستنيرة وأثناء إجراء البحث.
«وضع الأطفال والحوامل»
يشترط لإجراء البحوث على الأطفال أن يكون البحث ضروريًا في الحالات الآتية: التدخلات التي يقتصر استعمالها على الأطفال، الأمراض الخاصة بالأطفال، الأمراض اليتيمة التي تصيب جميع الأعمار، التدخلات المستخدمة في البالغين وغير معلومة الأضرار في الأطفال، بما في ذلك دراسات التوافر الحيوي.
أما شروط إجراء البحوث على النساء الحوامل والأجنة، فتتمثل في أن يكون البحث مقبولًا من الناحية العلمية، وأن تتوافر البيانات اللازمة لتقييم المخاطر المحتملة، وأن يكون الخطر المحتمل في حده الأدنى، وأن تكون المعرفة الطبية المتوقعة من البحث ذات قيمة علمية محل اعتبار، ولا يمكن الحصول عليها إلا بإدراجهم في البحث.
هنا يُحظر على الفريق البحثي استخدام أي مؤثرات غير مالية أو ضغوط معنوية أو مادية لتحفيز المرأة الحامل أو الأب لإنهاء الحمل أو أن يكون لأي فرد من الفريق البحثي دور في تحديد توقيت وأسلوب أو إجراءات الإجهاض أو المشاركة في أخذ قرار ما إذا كان المولود حيًا أو ميتًا.
كما تُحظر الموافقة على الدراسات البحثية التي تهدف إلى المعرفة الطبية على الحوامل، خصوصًا أن تحديد المخاطر غير معلوم وفي الأحوال الضرورية يجوز الموافقة على الدراسات الرصدية فقط.
وتدخلت اللجنة المشكلة بتعديل يتمثل في «حظر تحفيز المبحوثين على الاشتراك في البحث بمنحهم مكافآت مادية أو عينية باستثناء مقابل تبعات مناسبة للاشتراك في البحث، على أن يتم بيانها في نص الموافقة المستنيرة التي توافق عليها لجنة البحوث الأخلاقية».
اللجنة المشتركة تدخلت وعدلت الجزئية الخاصة بإجراء التحاليل على العينات الحيوية الخاصة بالدراسات الطبية السريرية ليصبح إجراؤها في مختبرات مرخصة محليًا أو دوليا وتتوافر المعايير المعملية الجيدة والمتطلبات الضرورية فيها لضمان جودتها ودقتها، مع إبرام عقد تأمين لدى إحدى شركات التأمين لتغطية الأضرار الناتجة عن الدراسة، وخصوصًا ما يتعلق منها بالمبحوث، وذلك حسب نوعية الدراسة.
«لجان المراجعة»
وألزمت اللجنة الباحث أو راعي الدراسة أو الجهة البحثية أو لجان مراجعة البحوث بتعليق أو إنهاء البحوث التي تجرى على الإنسان فور أن يتراءى له أو لها أن الخطر الذي يتعرض له المبحوث أكبر مما كان متوقعًا وقت الموافقة على المقترح البحثي.
كما شددت المادة الثامنة على أنه لا يمكن تبرير هذا الخطر بالمنافع العائدة على المبحوث من البحث، أو إذا أدى البحث إلى أضرار خطيرة غير متوقعة على شخص أو أكثر من المبحوثين.
ولكن التجربة على الأرض أثبتت أن بعض الدراسات لا يمكن إيقافها لأنها بتوقفها تتوقف حياة المريض أو تعرضه لآثار جانبية خطيرة.
ولم يُجر تعديل المادة الخاصة بالعلاج الوهمي «يجوز للباحث استخدام علاج وهمي (مموه) إذا كان استخدامه لن يزيد الخطورة أو يلحق بالمبحوث أي ضرر جسيم»، وتعني استخدام الأدوية الوهمية.
اللجنة أضافت بدورها بابًا جديدًا للقانون، ويعد واحدًا من أهم الأبواب المستجدة، ويحمل مسمى «بدء بحوث المنتجات المستحدثة على الإنسان».
ويعني ذلك إجراء المنتجات المستحدثة والجديدة على الإنسان العادي في حالة ابتكار منتجات طبية يستخدمونها بالدراسة.
«هنتاجر بأعضائكم وبمزاجكم»
تنص إحدى مواد القانون على أنه لا يجوز استخدام النسيج البشري أو المواد الفائضة عن البحوث المأخوذة بعد صدور هذا القانون، إلا بعد الحصول على الموافقة المستنيرة من المتبرع «أو وليه الشرعي أو ممثله القانوني»، وبما يتفق مع أحكام القوانين السارية ذات الصلة، وذلك على النحو الموضح في اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
ويعني ما سبق المتاجرة بأعضاء المبحوثين بعد الانتهاء من الدراسة ولكن بموافقة كل مبحوث ولم ينص على عبارة «إذا كان المبحوث يدرك مدى خطورة المتاجرة بأعضائه البشرية».
وتظل التجارب، وفقًا للقانون، ممكنة على من يعانون «ضعف الذكاء» والمشردين والمدمنين وفاقدي الوعي المؤقت أو الدائم.
وصممت اللجنة على عدم تعديل مادة عدم إجازة تخزين العينات الحيوية لإجراء بحوث مستقبلية إلا بموافقة المبحوث على ذلك ولم ينص أيضًا على مصير فاقدي الوعي التام في حالة عدم وجود أي واصٍ عليهم.
ولا يجوز تخزين العينات الحيوية بعد الانتهاء كليًا من البحث لإجراء بحوث مستقبلية باستخدام هذه العينات، إلا في حالة وجود نص صريح على ذلك بالموافقة المستنيرة.
ولم يتم تغيير حرف واحد في مادة «تخزين ونقل العينات داخل البلاد أو خارجها»، ويجب هنا التشديد على ضرورة نص القانون على تأمين تجميع وتخزين ونقل العينات الحيوية، سواء داخل البلاد أو خارجها، وذلك على النحو الموضح في اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
«وماذا عن المخالفين؟»
نصت إحدى مواد القانون على معاقبة الباحثين المخطئين بغرامة مالية لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه.
ومن هذه المادة يمكن استخلاص أن حياة المواطن المصرى تعوض بالغرامة المالية، ونص القانون على عدم المساس بأي عقوبة أشد في قانون العقوبات أو أي قانون آخر.
ويعاقب كل شخص وافق على إجراء الدراسة الطبية السريرية (الإكلينيكية) أو أشرف عليها أو قام بإجرائها دون التقيد بالشروط والمتطلبات التي نصت عليها المادة «3» بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه.
كما يعاقب كل من ثبت عليه التربح من إجراء البحوث أو بيع التدخل البحثي بغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ومعاقبة كل مستشفى أو مؤسسة بحث علمي أو مؤسسة أكاديمية أو جامعة أو شركة، تجري دراسة طبية على الإنسان دون أن يكون مؤهلًا لذلك، أو قام أي مختبر بتحليل العينات الحيوية بالمخالفة للاشتراطات الواردة بالمادة «8»، وذلك بغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه. يعاقب بغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو بكلتا هاتين العقوبتين، لكل من أخفى معلومات أو آثارًا جانبية عن المبحوث أو لجنة الأخلاقيات الطبية أو لجنة مراجعة البحوث والدراسات الطبية بوزارة الصحة.
يعاقب بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه أو بهاتين العقوبتين، من لم يحصل على موافقة اللجنة المؤسسية لأخلاقيات البحوث أو لجنة مراجعة البحوث والدراسات الطبية بوزارة الصحة.