تمكين الشباب بين الواقع والخيال!
أنا لا أعرف على وجه الدقة من الذي ابتكر بعد ثورة 25 يناير تعبير تمكين الشباب، ولكن هذا التعبير الغامض تحول إلى شعار يتردد في كل مكان سواء من قبل الناشطين السياسيين الذين يعتبرون أنفسهم هم الذين أشعلوا الثورة أو من قبل عجائز السياسة الذين رفعوا هم أيضًا هذا الشعار تقربًا من الناشطين السياسيين وأحيانًا نفاقًا صريحًا لهم للتخفيف من حدة شعار تسقط دولة العواجيز!
وقد أخذت الدعوة لتمكين الشباب -وهى دعوة مشروعة في حد ذاتها بمعنى إتاحة الفرصة لأجيال الشباب أن تمارس العمل وترقى إلى مواقع القيادة في الوقت المناسب، غير أن أغرب شيء أن هذه الدعوة تحولت على لسان بعضهم إلى الدعوة إلى تعيين الشباب معاونين للوزراء أو للمحافظين!
وهذه دعوة غير عقلانية وليس لها مثيل في أي دولة متحضرة سواء قامت فيها ثورة أو لم تقم! ما معنى اختيار "شاب" لكى يكون معاونًا للوزير أو للمحافظة، بغير أن يكتسب الخبرة اللازمة، وبغير أن يمتلك المؤهلات الضرورية لذلك؟
الشباب مجرد شريحة عمرية، وهى إن كانت بالغة الأهمية لأن أغلب السكان من الشباب ومن حقهم أن يسهموا برؤاهم في رسم طريق المستقبل، ولكن هذا إن كان شرطًا ضروريًا لمن يشغلون الوظائف القيادية إلا أنه ليس كافيًا!
وقد حاولت وزارة المهندس "محلب" – تحت الإلحاح المستمر في رفع شعار التمكين- أن تحل المشكلة بطريقة بيروقراطية مبتكرة في الواقع!
وقد وضعت شروطًا أهمها أن يكون الشاب يعمل داخل الوزارة التي يطمح إلى أن يكون معاونًا لوزيرها، وأن تكون له خبرة مقدرة، وأن يجيد لغة أجنبية، وأن يتقدم بطلب على أن تفحص الطلبات لجنة متخصصة تختار من بين المتقدمين أنسبهم لهذه الوظيفة الرفيعة!
ولكن لم يقل لنا أحد كيف ستحل مشكلة التدرج الوظيفى في هذه الحالة؟
في كل وزارة وكلاء للوزارة وصلوا إلى مناصبهم عبر الترقى التدريجى والذي تحكمه معايير الأقدمية والاختيار معًا، وقد يكون هناك وكيل أول للوزارة كان يعمل هذا الشاب الذي وقع عليه الاختيار تحت رئاسته، فكيف يمكن له أن يرأسه باعتباره معاونًا أو مساعدًا للوزير؟
وفى تقديرى أن هذه حلول ملفقة!
لأن تمكين الشباب لا يتمثل في أن يختار بعضهم ليكونوا معاونين أو مساعدين للوزراء أو المحافظين ولكن – تمكنهم أولًا من العمل العادى سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص!
هناك مشكلة كبرى هي بطالة الخريجين أليس من الأولى التخطيط لإنشاء صندوق للتشغيل يكرس المسئولون عنه كل جهدهم في رسم الخطط الكفيلة بتشغيلهم بدلًا من الاهتمام المزيف بالقلة من الشباب الذين يطمحون -هكذا ودون أي سابق خبرة في الإدارة العليا- مساعدين للوزراء أو المحافظين؟
لقد قرأت مؤخرًا مقالات في موضوع تمكين الشباب وبعضها ويقترح أن نبدأ عملية الاختيار من القرى والمراكز والمحافظات، وبعد ذلك ينعقد على مستوى الدولة مؤتمر عام يجتمع فيه الشباب الذين تم اختيارهم لا أعرف كيف، لكى يضعوا رؤى تحدد مسارات التنمية في مصر، على أن يلتزم البرلمان بإصدار التشريعات المنفذة لها ويصدق عليها رئيس الجمهورية. وهكذا تحولت دعوة تمكين الشباب إلى لغز يحتاج إلى حل في ضوء الخبرة المقارنة لممارسات الدول.
في فرنسا – على سبيل المثال- هناك مدرسة عليا هي "الـﭙوليتكينك" وهى تخرج مهندسين مدنيين وعسكريين على أعلى مستوى، وخريجوها يعتبرون من كوادر الدولة التي يسمح لها أن تتخطى باقى الموظفين بسنوات لشغل المواقع القيادية، وذلك لأن تأهيل هؤلاء يسمح لهم ذلك. وفى مصر كان لدينا معهد القيادة العليا ومركز إعداد القادة، لماذا لا نجرى دراسة على هذه المراكز لتكون نواة لفكر جديد عن اختيار القيادات؟