رئيس التحرير
عصام كامل

التحقيق بين عرفاتين


عرفات الأول هو الرئيس الراحل الذى حوصر فى مقره فى المقاطعة التى تحولت إلى زنزانة والتحقيق فى أسباب رحيله لم ينته بعد، رغم أن ضوء الشمس تسلل إلى ضريحه بعد أن تم الكشف عنه لأخذ عينات من عظمه . وعرفات الثانى هو الأسير الذى توفى بعد أقل من أسبوع من اعتقاله، والتحقيق أيضاً مستمر حول أسباب وفاته . فالسلطة الوطنية تقول إنه عذب حتى الموت وسلطات الاحتلال تزعم أنه أصيب بنوبة مفاجئة .


من قتل عرفات الرئيس ومن قتل عرفات الأسير؟ الإجابة تأتى من وراء القضبان ومن ذلك المرتفع الاستيطانى الذى يحاصر البلاد والعباد .

هذا التزامن بين تحقيقين حول رحيل عرفاتين، أحدهما رئيس والآخر أسير ليس دراماتيكياً فقط، بل هو بمثابة قرينة جديدة على تسميم الرئيس عرفات .

والذى قاله شارون ذات يوم أن موته يحتاج إلى مساعدة من جنرال، وتلك حكاية أخرى، قد تصلح لفيلم سينمائي، لكن من يسطو على الواقع يريد أن يسطو أيضاً على الحلم، لهذا بقيت قضية اليهودى المجند درايفوس الذى اتهم بخيانة فرنسا أمثولة الميديا التى تحترف التزوير .

فهذا اليهودى الفرنسى أسقط جمهورية، وهناك من يؤرخون لميلاد المثقف بالمفهوم العصرى بدءاً من موقف الرأى العام من درايفوس . والهولوكوست بمجمله هو صورة مكبرة لأى حدث من هذا الطراز .

أما المفارقة فهى أن هناك إعلاماً ينجح فى جعل الحبة قبة مقابل إعلام مشلول يحول القبة إلى ما هو أقل من حبة .

عرفات الأسير الذى استشهد بسبب التعذيب هو مجرد اسم حركى لعشرة آلاف أسير منهم من قضى ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، لا الموقف ولا صلابة الانتماء .

إن ما يجرى للأسرى بعيداً عن الشهود وضوضاء الفضاء المحتل هو قتل يتكرر فى كل لحظة، بل هو تنكيل لأن هؤلاء أشبه بالشهداء الأحياء ومنهم من حكم عليه بأعوام هى أضعاف عمره منذ المهد إلى اللحد .

إن من قتل عرفات الأول لن يثنيه أى رادع عن قتل عرفات الثانى والثالث حتى المليون .

لكن هؤلاء الأسرى فى عقر وطنهم يعيشون أقسى أيامهم بين التناسى والنسيان، وما من إلحاح جدى على تحريرهم قبل أن يفوت الأوان، ويخرجوا من الزنازين فى توابيت بحجة أنهم أصيبوا بنوبات قلبية أو فشل كلوى رغم أن الفشل الأنكى هو الفشل الوطنى .

ولم تكن الصهيونية لتتمادى على هذا النحو وتمتد أخطبوطياً لولا أنها تعرف حجم ومدى ردود الأفعال على ما تقترف من جرائم، قليل من الشجب وكثير من تبادل الإدانات ثم يسدل الستار .

وبلغت سادية القتلة أنهم نشروا تفاصيل اغتيال الشهيد خليل الوزير فى تونس فى اللحظات التى فتح فيها قبر ياسر عرفات، وكان هذا التوقيت مثيراً بقدر ما هو كاشف عن استخفاف واستهانة .

وقد ينتهى التحقيق لمعرفة سبب رحيل عرفات الرئيس وعرفات الأسير بإدانة القتلة الذين أضافوا الاغتيال إلى استراتيجية الاحتلال والاستيطان والترانسفير بالتقسيط .

نقلًا عن جريدة الخليج الإماراتية

الجريدة الرسمية