رئيس التحرير
عصام كامل

عم عيد.. الضرورات تبيح المحظورات

عم عيد
عم عيد

بزيه الذي تبدل لونه من قسوة الشمس طوال أشهر الصيف، يدور الشوارع سيرا على قدميه، يطارد ذرات التراب هنا وهناك ليجمعها، يلملم عبوات فارغة وأوراقا بيضاء وأخرى تتساقط بين الحين والحين من الشجر.. الشارع نظيف الآن، هنا فقط ينتصب ظهره مبتسما، يمسح حبات العرق بكفه الطيب ويجلس على الرصيف يلتقط أنفاسه وهو يطل على ما صنعه من جمال من الممكن إفساده إذ ألقى أحدهم ورقة على الأرض ومر سريعا..!


إنه واحد ممن حملوا أدوات التنظيف وجروا صناديق القمامة خلفهم لتنظيف الشوارع والمدن، وفى المقابل يتقاضون الـ «ملاليم»، ونتناسى شكرهم، أو الثناء على دورهم، بل نهينهم، فصادقوا الشوارع والأرصفة، وضاعت سنينهم بين الشوارع والقمامة ورائحة التجاهل والنسيان.

في مدينة الغردقة المدينة السياحية يتواجد ما يقرب من 600 عامل نظافة بعضهم يتبع شركة النظافة، والبعض الآخر اتخذها مهنة، ويعملون بمفردهم خارج مظلة القانون، فتجدهم في الشوارع من الساعات الأولى للصباح حتى قرابة منتصف الليل، رغم أنهم يتقاضون مرتبات ضعيفة لا تكفى لسد احتياجاتهم اليومية، لكن لا يمكن أن يتوقفوا عن العمل.
عم عيد، عامل نظافة بمدينة الغردقة، يبلغ من العمر 54 عاما، ولديه 4 أطفال، قال لـ «فيتو» إنه ولد بمحافظة الأقصر، ولم يكمل دراسته، وبعدها قدم إلى الغردقة ليصبح عامل نظافة.

عم عيد يضيف: « حاجتى إلى العمل دفعتنى لقبول هذه المهنة الصعبة، ورغم تقدم سني، إلا أننى أخرج للعمل كل يوم بعد أن أصلى صلاة الفجر، وقتها أجد تلال القمامة في انتظارى هنا وهناك، مسرعا أجر عربتى ومكنستى والكريك وأتوكل على الله، وينتهى يومى بعد أن أنتهى من تنظيف الشوارع والمناطق السياحية والحارات».

صاحب الـ 54 عامًا يقول: وعى المواطن في انحدار مستمر، والسلوكيات السيئة تزداد يوما بعد يوم، إذ يرهقنى ويؤذينى تعمد المواطنين إلقاء فضلاتهم في الشوارع، ورغم أن الشارع يأخذ جهدا كبيرا لتنظيفه إلا أننى أجد الكثيرين يمرون لجوارى ويلقون فضلاتهم من السيارات وخلال ساعة واحدة تعود القمامة للشوارع وأعود أنا بمكنستى وعربتى لأنظف الشارع مجددا.

يحكى «عيد» عن المخاطر التي تواجهه أثناء عمله في الشارع يضيف عيد: مهنتى محفوفة بالخطر، ومرات عدة أنقذ الله روحى من حوادث السيارات، كما أن لى أصدقاء كثيرين لقوا حتفهم بالشارع وأثناء عملهم بسبب حوادث الطرق، ومنهم صديق عمرى «شحات جاد الرب على «، حيث توفى وعمره 46 عاما، وذلك بعد أن صدمته سيارة لسائحة سويسرية، في شارع المطار، وفرت هاربة بسيارتها ولكنه تم القبض عليها بعد ذلك.

ويتابع: أما الحادث الثانى فكان لأحد عمال النظافة الشباب ويدعى سعد الأمير عبد الراضى 25 عاما، إذ لقي مصرعه منذ عامين داخل مكبس سيارة قمامة بالغردقة حينما كان يؤدى عمله في رفع صناديق القمامة داخل السيارة حيث تم شفطه مع الصندوق.
عم عيد يستطرد قائلا: «العمل في النظافة عمل شاق والخوف ليس فقط من حوادث السيارات أثناء العمل في الشارع ولكن هناك ما هو أخطر بكثير، حيث إن الأمراض القاتلة تحيط بنا من كل جهة، ورغم كل هذا نفتقد التقدير من المواطن أو الدولة على حد سواء، لذا على الدولة تعويضنا بتحسين رواتبنا وزيادة الأجور والبدء في إجراءات التأمين الصحى الخاص بنا».
الجريدة الرسمية