رئيس التحرير
عصام كامل

دولة السفسطة والفراغ


من أهم الظواهر الغريبة أو التى كانت إحدى محصلات ثورة يناير وحتى نكون مدققين فى الكلام الجوانب السلبية التى أظهرتها بقوة الثورة هى المكلميات والسفسطة .. والعمل باللسان أكثر من الأيدى والكل يستطيع أن يجلس ويتكلم ويثرثر هنا وهناك يجول ويصول وكأنه هو العالم ببواطن الأمور وحده وهو الذى يملك الحقيقة وقد يقول الكلام ونقيضه فى آن واحد وهو ما لم يعد من قبيل الغرائب.


لأننا لا نملك رؤية ولا ممارسة ولم نتعود على مثل هذه الأمور من قبل كما أنه قد يصبح ذلك الأمر محصلة ونتيجة منطقية لما عانيناه فى ظل نظم سياسية قهرية وشمولية تقدس الحاكم وتؤلهه وتراه على أنه معصوم من الخطأ وهو الكامل فى كل شىء مع أن الكمال لله وحده .ولكن فى ظل القهر يولد المنافقون والمراؤون الذين يسبحون بحمد الحاكم حتى يتجنبوا بطشه ويحصلوا منه على ما يريدون .

أما البقية النقية التى ترى الأمور بعين الحقيقة فهذه كل ما عليها هى أن تفعل شيئاً من اثنين وهى إما أن تصمت وذلك كان شأن الغالبية العظمى لكى تأمن غدر وبطش الحاكم ونظامه .. وإما أن تتكلم وهى تعلم ما الذى ينتظرها ولكنها لا تستطيع أن تسكت لتسكن فى غياهب السجون والمغاير ولا يعلم أحد عنها شيئاً .

لذلك فإن ذلك الكبت كان لابد وأن يتولد عنه ذلك الانفجار الكبير وأن ذلك السكون والصمت كان لابد وأن يعقبه ذلك الصراخ والعويل والتهليل بعد ذلك لفترة طويلة من الصمت لذلك كله عندما جاءت الثورة وسقط المتسلط فكت الألسنة ولكن مما يؤسف له أننا كنا نتوقع أن يكون ذلك لفترة وجيزة ثم بعد ذلك تهدأ الأمور ويتم تغليب العقل والرؤية المستقيمة التى تحقق المصلحة العامة للدولة.

ولكن مع انتشار الفضائيات والقنوات المتعددة وإن كنت لا أنكر أهمية دور الإعلام فى التنوير وكشف الحقائق وأيضاً الرقابة على تصرفات وأفعال السلطة وقراراتها إذا لزم الأمر وتلك حقيقة ولكن ليس كل من تكلم قد التزم بذلك ولكن كان هناك من رأى أن الكلام تجارة رابحة وأنه من ذهب وقد يكون كذلك بالنسبة للبعض أو الغالبية ولكنه فى ظل الظروف الحالية يعد تجارة خاسرة الكل يتكلم ويفتى بغير علم من المؤكد الكل أصبح محلل سياسى وخبير اقتصادى أسماء تظهر لأول مرة وأصبحت مهنة من ليس له مهنة.

ولكن بالتأكيد هناك ذلك الفريق من العلماء والخبراء فى السلطة السياسية الذين لهم باع وتاريخ طويل اسماء معروفة ومشهورة ولكن أصواتهم ونصائحهم وعلمهم وخبرتهم قد طغت عليها هذه الأصوات وهو ما يعنى شيئاً واحداً هو غياب الرؤية وأن ما نعانى منه الآن التناقض والتخبط الذى سوف يستمر ولو لفترة غير محدودة هناك من يعلقون على أحكام القضاء والآراء الفقهية ويرون أن المحكمة الدستورية العليا أم القوانين قد أصبحت جهة تربصية وأدخلوها وأقحموها كطرف فى ذلك الصراع السياسى الدائر حول السلطة وعندما يخرج من قضاتها من يحدثنا عن عوار فى أحد المواد الدستورية لكى ما ننتبه لها يخرج من يفتى ويخطئ هذا الرأى ويقول إن الفقيه عندما فعل ذلك فقد الصلاحية لأنه قد أبدى رأياً استباقياً حتى لا نكرر الأخطاء السابقة ونقع فى الخطأ ونعيد الكرة مرة تلو المرة ويظل ذلك الجدل السفسطائى المرير والمدمر والذى لا تضيع معه فقط الحقيقة ونفقد الرؤية ولكن مصر بأكملها .

الجريدة الرسمية