رئيس التحرير
عصام كامل

العنصرية السياسية


لم تعد العنصرية تقتصر على التمييز بين البشر على أساس اللون والعرق بل تخطت هذا المعنى الكلاسيكي ليصبح لها مدلول آخر قائم على التمييز الديني والثقافي والسياسي، الذي يعتبر أخطر أنواع العنصرية لما له من آثار سلبية تؤثر على استقرار الحكم وتعصف بالبلاد في متاهات التحزب والتشيع لأطراف معينة ومعاداة أطراف أخرى ليدور الجميع في فلك النزاعات والتعصب السياسي الأعمى الذي يلقي بظلاله على الجانب الاقتصادي بطبيعة الحال؛ لأن بدون استقرار واستتباب الأمن يصعب لأي مجتمع الولوج إلى عالم البناء والإنتاج.


انتشرت العنصرية السياسية خلال العقد الأخير برعاية أمريكا، التي تعتبر أول من غرس بذورها واستعملها كسلاح لخلق بؤر صراع واضطراب لفرض هيمنتها وسيطرتها على العالم وتحويله إلى رقعة شطرنج تتلاعب بأدواته كيفما شاءت، وبما يتفق مع مصالحها خاصة أن العنصرية السياسية لم يجرمها بعد القانون الدولي، كما يجرم عنصرية اللون والعرق والجنس، وبالتالي استغلال العنصرية السياسية كمعول لهدم الأنظمة التي لا ترضى عنها لن يضعها في حرج أمام الرأي العام العالمي.

بالطبع لم تكن مصر بعيدة عن هذا المخطط بل كانت على رأس الدول المستهدفة؛ حيث عرفت العنصرية السياسية منذ بدء عمل منظمات المجتمع المدني - الممولة - داخل أراضيها، التي عكفت على تربية وتدريب جيل من الشباب العاطل وطلاب الجامعات ومجموعة من المحامين على العمل السياسي وإخضاعهم لعمليات غسيل مخ بحيث لا يمكن بأي حال من الأحوال إقناع هؤلاء الشباب بعكس ما لقنتهم إياه تلك المنظمات حتى لو كانت معلومات ونظريات ومبادئ وشعارات تضر بمصالح البلاد، ثم جاءت أحداث يناير لتشعل فتيل العنصرية السياسية بشكل أعمق وأوسع، كما لعب الإخوان دورا بارزا في تأجيجها والتكريس لها خاصة خلال فترة حكمهم المشئوم حتى تفشت بين أبناء الوطن الواحد وأصبحت تهدد العلاقات الاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل، لنرى ولأول مرة المواطن المصري يصنف حسب انتمائه السياسي ويتم التعامل معه على هذا الأساس.

العنصرية السياسية والتطرف في الآراء الذي نراه في الشارع المصري ومحاولة كل تيار تأميم السياسة لصالحه لتقتصر ممارستها عليه وعلى أتباعه فقط، ينذر بشق الصف أكثر مما هو كائن بالفعل وينسف كل جهد لترسيخ المبادئ الديمقراطية.

نتمنى أن تتخذ الدولة كافة الإجراءات الإصلاحية والتشريعية والأمنية للحد من هذه الظاهرة والتصدي لكل من يشجعها، وعلى الإعلام أن يكف عن استضافة الشخصيات التي تذكي روح التمييز السياسي وتوخي الحذر في استخدام المصطلحات وتداول المعلومات ومراعاة ما تتطلبه الدواعي الأمنية من أعمال للحفاظ على تماسك الدولة.

كما أن للمؤسسات التعليمية دورا مهما في تعليم الأبناء معنى الاصطفاف الوطني واحترام الآخر والالتزام بفضيلة الحوار من خلال مناهج دراسية تنمي الوعي والإدراك، وتغرس قيم التسامح والتعايش والمواطنة وأهمية تأدية الحقوق قبل المطالبة بالواجبات.
الجريدة الرسمية