رئيس التحرير
عصام كامل

عالجوا السائقين بدلا من حبسهم!


بدون لف أو دوران، أغلبنا يعلم أن سبب غالبية حوادث الطرق هو الخطأ البشري، وأن هذا الخطأ يتوزع بين أمرين كبيرين، إما عدم الخبرة والكفاءة وعدم وضوح ما يجب أن يتبعه السائق في حالات الخطر وحالات اختلال القيادة، والآخر هو الإدمان، والقيادة تحت تأثير المخدرات أو الخمور، بل إن الكثير من السائقين في حالة غضب من الدولة أنها لا تسمح للسائقين بالتعاطي وليس العكس.. 


تخيلوا أن من ثقافته أن القيادة تحت المخدر هي الأصل، والقيادة العادية هي الخطأ، هل ستجدي معه عقوبات السجن والغرامة؟ ارتباط المخدرات بمهنة السائقين في مصر أمر يحتاج لدراسة من جميع الجوانب.

فأولا: لابد من تحديد عدد الساعات التي يجب أن يعملها السائق، وإلغاء مبدأ التطبيق: أن يأخذ السائق أكثر من وردية متتالية خاصة في أيام الأعياد والمناسبات حتى يُحَصِّل أكبر كم ممكن من المال، أو يفقد روحه وأرواح من معه، هذه العقلية بجانب العقوبة والجزاء تحتاج لتوعية وعلاج.

ثانيا: الحالة العامة للكثير من السيارات المتهالكة التي لا يوجد بها منافذ الهروب، التي انتهت صلاحيتها منذ أمد، لابد من سحبها من الطرق، ولنا أن نتذكر مثلا أن الموديل الأكثر شهرة في السيارات فئة السبعة راكب قد انتهى في بلده الأصلية منذ زمن، وأنه تم إيقافه لعدم صلاحية التهوية ووجود مخارج للهروب في المقاعد الخلفية منذ عقود، والحقيقة يدهشني من أين يحصل السائقون على قطع غيار لسياراتهم هذه رغم معرفتي بأن المصنع توقف منذ عقدين على الأقل عن إنتاج أي شيء يخص هذا الموديل، ومع ذلك تجد محال قطع غيار تزعم أن لديها قطع غيارات أصلية من مصنعها.

المهم، أطرح فكرة أن نسير أيضا بجانب تغليظ العقوبة في طريق العلاج، من يتم القبض عليه وهو تحت تأثير المخدر، بدلا من القائه في السجن الذي ربما يتعرف فيه بتجار المخدرات أو مجرمين أخطر يستقطبونه لما هو أشد، يودع في مستشفى، ولا يغادره حتى يتم علاجه من هذا المخدر، مع إلزامه بغرامة تعادل مقدار ما ينفقه من علاج.

بهذه الطريقة، سيكون الأمر أكثر نجاحا فيما أعتقد حتى نضمن أن من يخرج لن يعود للمخدرات أو على الأقل هذا هو الاحتمال الأكبر، ولن يتحول لمجرم في ظل بقائه في السجن لفترة يُنفق عليه من أسرته الفقيرة أصلا، ومن ثم سيكون في حاجة لتعويض هذه الأموال بكسب سريع فور خروجه مما قد يدفعه لارتكاب الجريمة.

نحن في حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات تسهم في تغيير سلوكيات المواطنين على نحو فعال وليس على نحو تقليدي، أذكر أن محمود السعدني في إحدى كتبه، تحدث عن رجل إنجليزي كان يصيد على بحيرة، وكلما اصطاد سمكة صغيرة ألقاها مرة أخرى، فسأله لماذا تفعل ذلك؟، أشار إلى لافتة تحرم صيد السمك الصغير، فقال له: لكن لا أحد هنا يشاهدك من الشرطة، فأجاب الرجل الإنجليزي: لكنني لو اصطدت السمك الصغير فلن يجد أولادي الأسماك في مستقبلهم! هذا الفارق الجوهري بين الخوف من القانون، والوعي بحماية القانون للحياة وللناس، وهذا ما نحتاج أن نؤصله، فلنجرب خيار العلاج والتدريب وإصلاح الطرق مع خيارات العقوبة والغرامة وننظر ماذا تكون النتيجة؟
الجريدة الرسمية