رئيس التحرير
عصام كامل

أحلى من الوسطية مفيش !


في المعركة الدائرة بالشارع المصرى خسر تيار الاعتدال، وكسبت ثقافة "الإسدال" و"النقاب" وارد الخليج. لم يعد فينا طاقة للسيطرة على وارد الخارج من نقاب.. وحجاب على طريقة أمراء داعش.مع أننا ضد داعش. نلعن سلسفيل أبو خاش داعش. ندعى الوسطية. وننفى عن الإسلام التجهم والغلظة.


توحشت ظاهرة النقاب. تحول الحجاب إلى زى رسمى. قل زيًا شعبيًا، تميز به بين المسلمات والقبطيات في مجتمع يقول إنه يسعى للمواطنة، وحقوق الإنسان والحريات المدنية. نظرة سريعة للشارع، وفى وجوه الذين يسيرون في الشارع تعرف أن كل ما يقال عن الوسطية "كلام بلا معنى".

قبل سنوات شنت ستنا وتاج رأسنا أستاذ العقيدة الدكتورة أمنة نصير، حملة شديدة على أجهزة الدولة لتخاذلها في مقاومة النقاب. وصفها البعض أيامها بالجنون، وأشاع آخرون أن السيدة الفاضلة "الكُمل" أخذت أموالا أمريكية؛ لاستثمار شعبيتها في مقاومة فرض إسلامي!!

اضطرت الدكتورة أمنة للصمت. سألتها وقتها: لماذا لا تكملين؟ ردت بابتسامة. ودمتم. لسان حالها كان: مافيش فايدة. فالشارع المصرى يشرع من طقوس الدين "على كيفه". يفرض طقوسا على كيفه. يرفض آراءً فقهية على كيفه أيضا. للدرجة التي تطاول بعضهم ووصف عالمة الدين الدكتورة أمنة، بأنها "ما تفهمش في الدين" لمجرد نفيها حجية النقاب !!

بالمناسبة بعض الباحثين الإسلاميين الجدد ينفون الفرض عن الحجاب أيضا. كلامهم منطقى، واجتهاداتهم في الموضوع لها وجاهتها. أسانيدهم الفقهية معتبرة ولها دلالاتها. لكن إذا كان هناك من يتمسك بحجية النقاب. ماذا لو قلت له: الحجاب ليس فرضًا ؟

بدأت الدكتور أمنة نصير حملتها على النقاب بوصفه عادة يهودية. اعتبرت ظهوره في الشارع بكثافة له دلالة خطيرة تنذر بسوء. قالت إنه أحيانا ما تثير المتنقبة فتنة الرجال. فهناك من تتنقب فتفتن، وهناك من لا تتنقب ولا تثير. العبرة بالحشمة.. لا بالملابس. ولما وصى الدين بالاحتشام، أمر بالستر. لكنه لم يأمر بالحجب الكامل.

أضيف من عندى: حتى لو كان قد أمر بالحجب الكامل، فالزمن تغير. والظروف أيضا تغيرت. ولما تتغير الظروف، يجوز رفع العمل بما سرى في الماضى، لغرض في الحاضر يقتضى العدول. هكذا تقول القاعدة الفقهية. الأحكام تتغير مع تغير الزمان. والاجتهادات جائزة، فيما لم يرد فيه نص قطعى.. يفيد الوضوح بأمر ما. أو بعبادة ما. آيات الحجاب ليست قطعية الثبوت وقطعية الدلالة.

لكن تقول لمين ؟
النقاب عادة يهودية هذا حقيقى. فقد اعتبرت بعض آيات سفر التكوين أن خروج المرأة من بيتها من دون غطاء.. فجور. أخرج الحاخامات في عصور اليهودية الأولى أكثر من قاعدة بعدم جواز إرسال المؤمن شعره من دون غطاء في الشوارع بين الناس. تغيرت هذه القاعدة. اقتصرت تغطية شعر اليهودى المؤمن على الرجال والنساء في الهيكل.. فقط وقت الصلاة.

"غطاء الشعر" كان اجتهادًا يهوديًا أو عرفا اجتماعيا ورثه بنى إسرائيل من الحضارات القديمة، قبل أن يحولوه إلى طقس ديني وينقلوه إلى الجزيرة العربية.

في التاريخ القديم؛ ارتبط الشعر بالشخصية البشرية وبكبريائها وسطوتها. في العهد القديم تجد مظاهر قوة "شمشون" وجبروته في شعر رأسه. اكتشف أعداؤه السر عن طريق دليلة. استأجروها للقضاء على شمشون. قضت على مصدر قوته.. فقصت شعره.

وفي الحضارة البوذية كان بوذا المعلم أصلع الرأس بلا شعر.علامة على التواضع والخضوع الكامل للآلهة، قالوا إن قص شعره علامة صريحة على الخضوع لله. استقرت العادة، وتوارثها رهبان البوذية. لليوم يحلقون رءوسهم كاملة، ولا يدخل الجدد منهم في صيام بشعر رأس دون حلاقة.

شعر الرأس كعلامة على الخضوع الدينى عكسها السيخ الهنود، أو ساروا عليها بالمقلوب. صار قص الشعر لديهم علامة على الاستهانة بالخالق. لذلك يقدس السيخ شعر الرأس. المؤمنون منهم لا يقربون مقصا من شعورهم طوال حياتهم احترامًا للآلهة.. وتعاليم الدين. لكنهم لا يكشفون شعور رءوسهم إلا في البيوت.. احترامًا للآلهة أيضًا. السيخ يمشون في شوارع القاهرة بعمامة كبيرة.. ألوانها زاهية. فوق بدلة فاخرة، وقمصان من أشهر بيوت الأزياء. لكن إلا قص الشعر.

في الحضارات القديمة كانت هناك علاقة ما بين "شعر الرأس" وخضوع العبد لربه. ورث اليهود الفكرة أيام السبى البابلى. نقلوها للعرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام.

غير اليهود. عرف الفراعنة المصريون نفس العادة. فلا فرعون، ولا كاهن تجده مرسوما على حوائط المعابد وشعره مكشوفا أو دون غطاء أو تاج. ممكن تقول لم يرسم الفراعنة كاهنا أو ملكا.. بلا حجاب !!

انتقل المفهوم للفلاح المصري. وصلت إلينا العادة في قالب آخر. حتى الآن لا يزال أبناء القرية المصرية يعتبرون الخروج من البيت "برأس عريان"..عيبا اجتماعيا !

وفي فارس القديمة، غطى الكهنة المجوس شعورهم في الهيكل المقدس. لم يحلقوا شعورهم هم الآخرون طوال حياتهم. الرسومات الفارسية على المعابد القديمة لم تظهر كاهنًا واحدًا مكشوف الشعر أيضا.

ينظر بعد الدارسين للحجاب نفس النظرة. يقولون إن الآيات الواردة بخصوصه في القرآن الكريم خاصة بالنبي وبناته وأمهات المؤمنين فقط. ما اختص به الله نبيه (ص) من أحكام، لا تنسحب على بقية المسلمين. الرأى له وجاهته. لا ضرر من إعادة النقاش فيه. لكن هناك من مازال يتفنن في إغلاق الأبواب. ورفع الأسوار. والاستعداد بحراب الدفاع عن الدين. مع أن الدين لم يأمر.

الملاحظة المهمة، أنه فى السنوات الأخيرة كانت زيادة المطالبات بالحجاب في الشارع، والمترو، وعلى حوائط محطات الأتوبيس، وفى السوبر ماركت.. ومحال العصير، بينما لم نر مطالبات مماثلة بضرورة حفظ الحقوق، وصون الدماء.. والكف عن النفاق والإهمال.. وأكل مال اليتامى، وحفظ حقوق الأرامل والمطلقات.

في كل شارع تقريبا، تجد "بوسترات" علقها مجهولون: "الحجاب قبل الحساب يا مؤمنة". لم نر لافتات مكتوبًا عليها: "صوني حق زوجك" "راعى ربنا في شغلك". "كفى الأذى عن جارتك". "ربى عيالك صح".

ظهرت "بوسترات" أخرى كتبوا عليها "صل قبل أن يصلى عليك". لا تجد معلقات على الحوائط توصى بحقوق الطريق، والتزام الموظف بحسن تيسير مصالح المواطنين. لا تجد من تكفل بطبع مليون لافتة للإشارة إلى حرمة تعاطى سواق أتوبيس المدرسة مخدرات تلقى بـ17 جثة تلميذ متفحمة على الطريق السريع !

لا الدين أصبح عصريًا. ولا العصر أصبح دينيًا. أما نحن فلسنا متدينين.. ولا عصريين. كل ما فلحنا فيه، صممنا إسدال صلاة وحجاب رأس، ونقابا على الطريقة الخليجى. استوردنا القماش من الهند. صنعناه في الصين. ووقفت السيدة من دول في مصر على سجادة صلاة مصنوعة في اليابان !!
لو كان هناك وحي لنزلت آيات من لدن عليم خبير، بكلام غليظ.. شديد الوعد والوعيد.
وسطيون نحن على طريقة داعش. أحلى من الوسطية مفيش !!
الجريدة الرسمية