إحنا التلامذة بتوع الأتوبيس يا إخوانا
كان من المفترض أن أواصل الكتابة عن "أكذوبة الأحزاب السياسية في مصر"، ولكن الحادث المؤلم والمؤسف الذي وقع على الطريق الزراعي بمحافظة البحيرة وأدى إلى تفحم جثث 18 طالبا بالمرحلة الثانوية وإصابة 18 آخرين، هزني بقوة كما أعتقد أنه هز الجميع حتى ولو بدرجات متفاوتة، فوجدت أنه من الضروري أن يكون لي ولنا وقفة مع هذا الحادث والذي بطبيعة الحال ليس هو الأول من نوعه، ولن يكون الأخير طالما استمر تعاملنا بنفس الأسلوب والنهج اللذين نتعامل بهما مع تلك الحوادث المفجعة، لم يعد كافيا مجرد الإعراب عن مشاعر الحزن والأسى، وتكليف وزارة التضامن بصرف التعويض المناسب بواقع 5 آلاف جنيه لكل قتيل وألفي جنيه لكل مصاب، ومعالجة المصابين على نفقة الدولة، ولا مانع من أن يقوم رئيس الحكومة وعدد من المسئولين وربما رئيس الجمهورية بزيارة المرضى وهم يرسمون على وجوههم علامات الحزن والأسى، ويمر الأمر وننتظر أن نستيقظ في يوم آخر على فاجعة مماثلة..
لكن.. هلا جلس كل مسئول من المسئولين باختلاف مسئولياتهم ودرجاتهم الوظيفية مع نفسه دقيقة.. وأغمض عينيه.. وتخيل أن ابنه أو حفيده من بين هؤلاء القتلى.. هلا استمع إليهم وهم يصرخون خوفا وهلعا.. هلا نظر إلى ملامح الفزع والرعب تكسو وجوههم.. هلا اشتم رائحة الشواء الناتجة على احتراق وتفحم أجسادهم؟!.. سيدي المسئول بالله عليك ماذا ستفعل لو أن ابنك أو حفيدك عفاه الله من كل سوء في هذا الوضع.. وما الإجراءات التي يمكنك اتخاذها حينها؟.. سيدي المسئول خذ من وقتك هذه الدقيقة ثم فكر كيف ستتعامل مع هذا الحادث..
وهل يمكن أن نأخذ جميعا من وقتنا تلك الدقيقة خاصة نحن الإعلاميين قبل أن ينبري أحدنا أو بعضنا يلتمس الأعذار أو ينفي عن هذا أو ذاك تحمل المسئولية، ولنر ماذا سنفعل؟ وبأي تعويض سنقبل؟ عفانا الله جميعا مما ابتلى به غيرنا، وأنعم عليهم جميعا بالصبر والسلوان.
إن الدولة المصرية في خطر لا يقل عن خطر الإرهاب الذي تحشد له كل الطاقات وتسخر له كل الإمكانيات، والدولة مطالبة بالتعامل مع هموم ومشاكل المواطنين والعمل على حماية أرواحهم ودمائهم وأموالهم بنفس الإرادة السياسية وبذات الدرجة من القوة والصرامة والعنف التي تتعامل بها مع الأوضاع السياسية، وعليها أن تعي جيدا أن أمن المواطن وحفظ حياته وصون حقوقه من أمن الدولة وحمايتها.
وعلى الحكومة أن تدرك أنه ليس العبرة بالذهاب إلى مقار الوزارات من الساعة السابعة صباحا والعودة بعد منتصف الليل تلك النغمة التي صارت تلوكها باستمرار ألسنة كثير من المسئولين خاصة الوزراء والمحافظين، ولكن العبرة بما يتم إنجازه على الأرض وما يتحقق من تطور ملموس في حياة المواطنين بحيث يشعر به أي مواطن في أبعد نقطة على أرض الوطن.
إن تكرار حوادث المدارس سواء التي تتعرض لها الأتوبيسات المدرسية أو تلك التي تقع داخل أسوارها صارت تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول منظومة التعليم بشكل عام، وتؤكد أن عمليات الترقيع التي يقوم بها المسئولون لرداء التعليم الذي اتسعت خروقه باتت تستعصي على الرتق، ولابد من معاملة مختلفة إذا كانت الدولة راغبة في مستقبل أفضل لمصر بعد أن فقدنا الأمل في إصلاح الحاضر..
كما لابد من مواجهة صارمة وحازمة مع منظومة النقل بشكل عام وبمختلف أنواعه، وضرورة عودة الانضباط في الطرق والشوارع، واخضاع السائقين كافة لتحليل حقيقي للمواد المخدرة، وضرورة وقف التحاليل الشكلية التي تتم حاليا وحصول قائد السيارة على شهادة مختومة سابقة التجهيز مقابل 110 جنيهات، يجب أن يتوقف هذا العبث، كما لابد من وقفة جادة وحازمة مع سائقي النقل الثقيل والميكروباص على وجه الخصوص والضرب بيد من حديد..
فهل تملك الحكومة تلك الشجاعة للمواجهة؟..