رئيس التحرير
عصام كامل

أبناؤنا


يوم الجمعة قبل الماضي.. كنت أجلس مع عدد من الأصدقاء الأدباء بالمقهى بعد الظهر.. جاءتنا على الموبايلات رسائل تحمل الأخبار كالعادة. لم نهتم بها كثيرا لأنها كانت عن المظاهرات التي تتكرر في مثل هذا اليوم، لكن جاء خبر العملية الإجرامية في منطقة الشيخ زويد، التي مات فيها حتى فجر السبت ثلاثون مجندًا بين ضابط وشرطي وأكثر من ثلاثين من الجرحي هم أبناؤنا وإخوتنا.. تحول اليوم إلى سواد كامل وإلى حزن عميق.


لكن بعد قليل بدأت الأسئلة. كيف حدث ذلك ومنذ عام وأكثر تتم مواجهة الإرهاب في سيناء وحملات عسكرية مكثفة كانت تأتي أخبارها دائما؟ وحين عرفت التفاصيل صار الأمر يدعو إلى الدهشة أكثر، لقد قام الإرهابيون بتلغيم منطقة تحيط بكمين ثابت. وبعد الانفجار جاءت عربات الإسعاف فكانوا في انتظارها واستمروا يقتلون من فيها بالأسلحة.. كيف حقا استطاعوا عمل هذه الألغام حول منطقة الكمين وعلى مهل وكيف لم يرهم أحد؟

طبعا هذا السؤال لم يأت في الفضائيات التي على الفور ركزت على المؤامرة الخارجية وعلى تقاعس أهل سيناء وبدأت الدعوة لتهجيرهم من بلادهم.. كأن الإرهاب مثلا احتلال منظم لأرضنا وليس عصابات تتنقل بين الجبال وفي الظلام والفراغ الأمني أيضا. وكأن الإرهاب إذا فرغت المنطقة من أهلها سيخرج يواجه الجيش في حرب نظامية.

طبعا سوف ينتقل إلى مناطق مأهولة أخرى ولن تستطيع الاستمرار في تهجير الناس وإلا ستفرغ كل البلاد ! الإرهاب في الحقيقة ليس بهذه القوة. هناك قصور واضح وليس عيبا الاعتراف به. هذه واحدة. الثانية هي الأسئلة التي تقفز إلى الذهن. هل المجهود الضخم في مواجهة المظاهرات قد عاد بأي فائدة غير استمرارها.. هل قانون التظاهر الذي يمنع من الأصل التظاهر أوقف المظاهرات.. هل الذين قبض عليهم كانوا كلهم متظاهرين.. هل كانوا كلهم يحملون السلاح.. ألم يتسببب هذا القانون في احتقان أكثر في البلاد.. أليس فيه تبديد كبير لجهد الشرطة والجيش والأولى هو الإرهاب في سيناء أو غيرها؟

يوم الخميس قبل الحادث المنحط بيوم، وقع انفحار عند جامعة القاهرة، وفي نفس المكان السابق تقريبا أمام الباب الرئيسي.. أليس هذا تقصيرا. ألا يوجد عمل كامل إلا في إيقاف المظاهرات ؟ طبعا ارتفعت صيحات الوقوف مع الجيش والشرطة ولا أحد محترما يكره ذلك. لكن أليس الأولى بالجيش والشرطة هو الإرهاب وليس المتظاهرين أو رافعي اللافتات.

ثم سؤال آخر. مرسي خرج من الحكم منذ أكثر من عام. كان الإرهاب في سيناء في عهده يجد منه حماية. كيف مرت هذه السنة وتوحش الإرهاب فقام بأكبر عملية لم يفعل مثلها من قبل؟

الحقيقة أن الأمر كله أخطاء. فالمجهود الضائع في قمع المظاهرات وطلاب الجامعة كان يمكن أن يكون أقل من ذلك إذا سمح بالتظاهر لأن التدخل كان سيحدث فقط حين تتحول المظاهرة إلى ارتكاب الجرائم. ومن ثم كان يمكن توفير الجهد للإرهاب نفسه الذي تزداد مفاجآته للأسف.. طبعا بعيدا عن الفضائيات والإذاعة التي اتفقت في النهاية على أن يدفع أهل سيناء الثمن. والتي طالبت الشعب بالوقوف خلف قيادته وجيشه وشعبه.. طبعا لا يشمت في الشهداء إلا منحط. لكن نريد أن ينتبه النظام أن الأمر لا يمكن أن يدار بالطرق القديمة، وأن الإرهاب لا يعني تكميم الأفواه بل على العكس.. هذا يزيد الإرهاب وها هو أمامنا ونحن لا نخترع.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية