مريم فخر الدين.. البراءة التي شوهتها الصراحة!
عام 1960 انضم التليفزيون إلى الصحافة والإذاعة كوسائل الاتصال بين المصريين ونجومهم في كل المجالات.. الصحافة الأكثر انتشارا رغم الأمية الكبيرة لكنها تقدم النجوم والمشاهير لمعجبيهم بغير صوت أو صورة، بما يفقد الكثير من التفاعل بين الطرفين..
تليها الإذاعة نظرا لسهولة امتلاك الراديو أكثر من التليفزيون؛ إذ يكفي جهاز صغير بسعر بسيط ليحدث ذلك.. ويكفي جهاز واحد ليستمع العشرات من زوار مقهى صغير لبرامجه.. ثم التليفزيون الذي تضاعف انتشاره بعد سنوات من بدء البث فعليا في مصر..
وكان مع الإذاعة وحتى سنوات ماضية لا يبث الـ 24 ساعة كما هو اليوم، إذ كان الإرسال يتوقف ساعات طويلة من النهار وينتهي في الساعات الأولى من الصباح.. وكل هذه العوامل وضعت حواجز عديدة بين قدرات المصريين على اكتشاف نجومهم جيدا.. لذا لم يتخيل أحد أن مريم فخر الدين، النجمة فائقة الجمال شديدة البراءة صاحبة الوجه الملائكي الرومانسي الهادئ والقوام المثالي والصوت المحبب الجميل الهادئ، هي ذاتها مريم فخر الدين المنطلقة بكل صراحة ممكنة لتطول بصراحتها براءتها حتى تآكل بالفعل جزء كبير منها.. عند الكثيرين من جمهورها الواسع!
مريم.. النجمة ذات الأبعاد المركبة في شخصيتها، الذي يؤهل سيرتها تماما للتحول إلى عمل درامي بما تضمه حياتها وسيرتها من مواقف وأحداث يندر أن تمر بها كاملة شخصية واحدة.. ظلت لسنوات طويلة جدا فتاة أحلام المصريين ورمزا للجمال عند المصريات.. هي النموذج والمعيار الذي يقاس عليه وتضرب به الأمثال.. وقربتها أعمال محددة من الناس في "رد قلبي" مع التحول الكبير في مصر حتى تحول العمل وبحواره الشهير الذي كتبه الرومانسي عز الدين ذو الفقار إلى جزء من نسيج تعبيرات المصريين وتعليقاتهم الممتدة حتى اليوم، وكان طبيعيا أن يحتل الفيلم المركز الثالث عشر في أهم أفلام السينما المصرية وهو مركز متقدم.. والعمل الثاني كان فيلم "طاهرة" والصدفة جعلته من إنتاج العام نفسه الذي أنتج فيه "رد قلبي" وهو 1957، وقدمها كنموذج للطهارة والبراءة بشكل قربها للناس أكثر وأكثر..
مريم فخر الدين الأكثر مشاركة في أفلام السينما مقارنة بنظيراتها.. والحصيلة النهائية بعد جمع الجيد مع التجاري والرديء يحسب لها.. لكنها آثرت في سنواتها الأخيرة على الصراحة غير المعهودة في بلادنا، وخصوصا أنها طالت الكثيرين ممن عرفتهم واقتربت منهم لكن.. يحسب لها أيضا عدم قدرتها على التجمل بالكذب أو بما نسميه الدبلوماسية.. وفضلت أن تنطلق بتلقائية مدهشة لتقص وتروي دون قيود، وآثرت على قول الحقيقة والحقيقة في بلادنا تغضب الكثيرين لكنها كانت أول من دفع ثمن تلك الحقيقة.. حيث تآكلت بسببها البراءة التي ظلت طوال عمرها المديد عنوانها الأول وحتى ظهر عنوانها الأخير!
وداعا مريم فخر الدين التي يروي الكثيرون ممن عرفوها كيف عاشت حياتها الأخيرة بين الصلاة والقرآن وأداء الحج والعمرة في خليط عجيب أدهش الناس وجعل حواراتها التليفزيونية خليطا من الذكريات والكوميديا، ولهذا كله كان الحزن عليها كبيرا جدا!
رحم الله النجمة الكبيرة..