محاكمة الجزيرة دوليا!
علينا أن نعترف أن الشكوى من الجزيرة هي الوجه المقابل للشكوى من الإعلام المصري بشقيه القومي والخاص، وهي أيضا حصاد سياسات إعلامية تحتاج – من وجهة نظري – لخطط عاجلة. ومن ثم فإن السؤال الجوهري: كيف تستطيع قناة – بمشتقاتها أن تقوم بعمل غسيل دماغ جماعي لقطاعٍ ما من المصريين؟ مهما كان هذا القطاع محدودا فإنه يجب الانتباه لهذا التأثير، وهنا علينا أن ننتبه لأن الجزيرة لا تعمل منفردة؛ بل يعاونها طابور طويل من اللجان الإلكترونية، وأفراد في أرض المجتمع المصري يتوزعون في أطراف الحياة اليومية وفي مؤسسات الدولة أحيانا. وفي المقابل فإن الإعلام المنوط به مواجهة هذا المد الإرهابي تم وضعه شعبيا وحكوميا أيضا في خانة من عدم المصداقية، ومن السخرية والانتقاد الحاد – الشخصي أحيانا له.
لكن هذا لا يمنعنا من تحديد أن الجزيرة غادرت منذ زمن منطقة اللامهنية الإعلامية إلى منطقة الجريمة والإرهاب، فبدءا من كونها قناة مخصصة لأحداث مباشرة في الدولة المصرية، رغم أنها فعليا لا تملك أية صلاحيات أو تراخيص أو مراسلين رسميين لممارسة هذا العمل، لكي تعتمد في مادتها على مراسلات محددة من عنصر واتجاه محدد، وفي مقابل ذلك تزعم أن ما تنقله من مظاهرات أو من أحداث هي أحداث مباشرة، رغم أنها لا سبيل لها للتأكد من هذا في الواقع إلا من خلال أشخاص ينتمون من فصيل معين، وما هو متعارف عليه دوليا أن المهنية الإعلامية تقتضي أن يكون للقناة مراسلون لها يروون ما يشاهدونه، وفي حالة التعذر، وإن تم النقل عن شهود عيان، فإن القناة عليها أن تنقل من جميع الأطراف، وليس من وجهة نظر واحدة، ومن ثم فإن مصطلحات الجزيرة التي تطلق على المجرمين المضبوطين لفظ: المعتقلين أحيانا، أو المخطوفين أحيانا أخرى، هي دليل على عدم المهنية الخارقة، إذ كان عليها على الأقل أن تُقدم الروايتين المتداولتين وليس الانحياز لجانب واحد.
على أية حال، لقد تخطينا منذ زمن الحديث عن عدم المهنية، وأظن أنه جاء الأوان أن نتحدث عن الجريمة، عن الإرهاب والدماء التي تتسبب فيه الجزيرة يوميا، فبدءا من تاريخ طويل، في وقت كانت فيه كل مخابرات دول العالم تقريبا تبحث عن أسامة بن لادن، أو عن أية أخبار عنه، كانت الجزيرة هي القناة الوحيدة التي لديها اتصالات مباشرة بهذا التنظيم الإرهابي الأول في العالم، ودون أن نسأل كيف؟ ولـماذا؟ كانت تختص الجزيرة بأخبار وفيديوهات وأخبار الإرهاب الدولي دون غيرها. لكن الحالة تصل لـمرحلة الاعتراف الكامل في الشأن المصري، فبدأ من تبني الجزيرة واختصاصها بمظاهرات مجرمة بأمر القانون، ووجود مراسلين لها يتخطون مرحلة العمل الصحفي إلى الـمشاركة في تنظيم وتخطيط وتدبير الأحداث على الأرض، ثم يريدون بعد ذلك أن يُقدموا أنفسهم كمراسلين محايدين؟
وآخر ما يثبت تورط الجزيرة في الإرهاب ما حدث على الحدود المصرية، عندما قال مذيعها نصا إنه يتواصل مع أهالينا في سيناء على الحدود، وأنهم قد أخبروه منذ الصباح، وأخبروه منذ دقائق، والـمشكلة الجوهرية هنا أن المذيع الذي يتحدث هذا يقيم في غزة الفلسطينية؟ فكيف له من تواصل مع المصريين في رفح؟ من أين جاءت أرقام هواتف السكان في هذه المنطقة؟ ومن أين جاءت معرفته بهم وهو يقيم في جانب آخر المفترض أنه معزول حدوديا، إلا إن كان هذا المذيع قد ذهب وجاء هو أو أعوانه عبر الأنفاق! وبغض النظر عن مهنية أن يتم نقل أحدث تحدث في بلد من خلال بلد أخرى، فإن السؤال الجوهري: الحسرة الشديدة والانفعال والغضب والضيق المتخطي لحد التحكم في الانفعال البادي على مذيعي الجزيرة – ما سببه؟ لماذا الأمور تبدو شخصية إلى هذا الحد بالنسبة لهم؟
لا أعرف لماذا إلى الآن لم تفكر جهة شعبية أو حتى رسمية في أن تجمع من أرشيف الجزيرة الزاخر بدلالات تثبت تواصلها وتورطها في الإرهاب، بإعداد ملف قضائي لـمحاكمة الجزيرة دوليا؟ متى يأتي اليوم الذي نرى فيه عدالة السماء تُنفذ في مذيعي ومعدي ومسئولي ومديري وممولي الجزيرة عبر محاكمتهم دوليا حتى يدفعوا ثمن ما تسببوا في إزهاقه من أرواح؟