رئيس التحرير
عصام كامل

تصحيح مفهوم الجهاد


في الوقت الذي تأسس فيه مفهوم الجهاد في قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)، نظم الله هذا القتال ولم يجعله مطلقًا فجعل نصاب المواجهة مثلى قدرة المقاتل، (فإن يكن منكم مائة يغلبوا مائتين)، وحتى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصف تلك المواجهات بالجهاد الأصغر، أما الجهاد الأعظم فكان بناء النفس التي هي أساس المجتمع، فكان يقول (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأعظم ألا وهو جهاد النفس)، ثم تأسس المفهوم الراسخ للبناء (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، فكان ذلك إشارة مبكرة في التاريخ الإنسانى لتأسيس مفاهيم العمل والبناء على المستوى العام، واعتبار العمل جهادا نوعيا يصب في ذات المفهوم، لأنه تحت رقابة الله..

ومع التطور العالمى الإنسانى والإدراك المتزايد بعدم جدوى الحروب تعاظم مفهوم العمل والإنتاج والابتكار كأساس وحيد في تحديد قوة الدولة وسيادتها، وتراجعت القوة العسكرية أمام قوة المنتج وملكية الابتكار، فرأينا كيف فشلت المحاولة الأصولية الغربية لتجديد الحروب الصليبية على المنطقة العربية بالإخضاع العسكري المباشر بعد هجمات سبتمبر، ولم تنجح غير السيطرة الاقتصادية والتكنولوجية وثورة الاتصالات، كانت فيها جوجل وأبل وميكروسوفت وأوراكل أبطال الواقع الجديد الذي سادت به أمريكا عالم اليوم، بينما أصبح الفيس بوك وتويتر والبريد الإلكترونى أدواتٍ كبرى لجمع معلومات فشلت قدرات أجهزة المخابرات في جمعها، حتى قال أوباما وهو يصف قوة أمريكا (نحن أمة الفيس بوك وجوجل)، وأصبحت شركات العالم الرقمى هي المسيطرة على الواقع الجديد، وانتهت المفاهيم القديمة لاستقلال الدول وسيادتها، كما نالت العولمة من خصوصيات الشعوب وتقاليدها الموروثة، لم تكن أدوات أمريكا للسيطرة والسيادة وليدة مواد خام أو ثروات مادية، بل كانت نتيجة الابتكار والإبداع والاختراع، لقد تجاوز الفيس بوك والتويتر والواتس أب حدود العصبية والإقليمية والقبلية والوطنية.

أفيقوا للواقع الجديد فالدنيا تغيرت، واعملوا وابتكروا واخترعوا، فقد مضت الحروب والمواجهات ولم يبق غير التفاعل والتعامل والمشاركة الإنسانية الفاعلة. من يرفع السلاح اليوم يثبت عجزه، ومن يدمر يهدر إنسانيته، ومن لا يشارك المسيرة يقبع مكانه،.. ولا عزاء للحمقى.
الجريدة الرسمية