ومعانا الأستاذ (موشى ديان) على الهوا.. آلو!
من فضل الله ونعمته علينا، أن الفضائيات والمواقع في بلادنا تأخَّر انتشارها لحد السنين الغَم اللى بنعيشها حاليًا، فلا يخفى عن ذكاء المُتابع إنها لو كانت دخلت تليفزيوناتنا وبيوتنا بدرى شويه، يعنى في السبعينيات مثلًا، لكُنا شوفنا موقفا كالتالى، حيث يستضيف المُذيع اللامع (سعدود محد)، أو (يُفدى سورة)، أو (عمل الريثى) أي نوع من الضيوف، سواء نوعا عاليا وراقيا، أو نوعا مُنحَطا ووضيعا في الاستوديو، أو عبر الهاتف، عملًا بحُرية الإعلام، لمُناقشة القضايا العامة!
كُنت مُمكن حضرتك تكون قاعد قُدام التليفزيون سنة 72 مثلًا، جايب فضائية من إياهم، تلاقى الأستاذ المُذيع بيزُق السماعة جوه ودنه، وعينيه بتلمع، ويقوم يتنفض في مكانه وهو بيقول: ومعانا الأستاذ (موشى ديان) وزير دفاع إسرائيل على الهواء مُباشرة.. سيادة الجنرال إزيَّك؟!
طبعًا مش من حق حَد يقطع عليه الهواء، وإلا نشطاء أيامها خصوصًا بتوع ستة أبريل 72 كانوا هاجوا عليه، وقالوا الديمقراطية والملوخية، ومن حق الإعلامي يستضيف أي حَد، وقتها كان (موشى) هايدخُل علينا بكُل هدوء: شالوم يا حبيبى، أخبارك؟ يرُد المُذيع: واحشنى والله.. ويُجيبه (موشى): وإنت كمان، ابقى تعالى خلينا نشوفَك، بس هات عَشَاك معاك، إوعى تنسى إننا يهود.. هاهاها!
والسبق الإعلامي يا عزيزى سيدفع الجميع لاحترام هذا المُذيع، وسيُشيد به بتوع جماعات حقوق الإنسان، خاصةً عندما تخرج تصريحات (موشى ديان): الجيش بتاعنا مسيطر على كُل الخطوط، وإنتم جيشكم خلاص انتهى، أرضكم واسعة وكبيرة، بلاش هيافة، مجاتش على سينا، عيشوا في سلام أحسن، بدل ما نعمل لكم بحر بقر جديدة!
وطبعًا المُذيع المُثقَّف بتاعنا هايتبنى القضية: آه والله، ماله السلام؟ ما إحنا مش باين لنا حرب، وبعدين نحارب، ونرمى ولادنا في التهلكة؟ ما هم القادة قاعدين على مكاتبهم في التكييف، وبيرموا العساكر والضُباط الغلابة في النار، ما نروح نعمَّر الصحرا، ما هى سينا رخرة صحرة، سيبوها للإسرائيليين يشربوها، وتعالوا نعمَّر الصحراء الغربية والشرقية!
من هُنا يحدُث انقسام مجتمعى، وتنشق الصفوف، ناس تؤيد الجيش وتستنى الحرب، وناس تقول مش عاوزين حروب ودماء، لازم الجيش يتمرَّد على قادته، هو (السادات) هاينزل يعدى القناة معاهم؟ هو (أحمد إسماعيل) هايسوق دبابة ويخُش بيها في خط بارليف؟ القادة بيضحكوا ع العساكر، وعاوزين يموتوهم.. وطبعًا سيتم استضافة هؤلاء النشطاء أصحاب الرأى الثانى في كُل الفضائيات، ووقتها هايسخروا من الناس اللى بتطالب بالحرب والشرف واستعادة الأرض، ويوصفوهم بأنهم عبيد البيادة، واللى مش فاهمين حاجة في الدُنيا، وهانفضل في الحرب لحَد إمتى، عاوزين سلام، و(موشى ديان) كان عنده حَق!
طبعًا واحد زميل للمُذيع الأولانى هايغير غيرة مهنية شريفة، يروح عامل سَبق، ويخطف رجله على إسرائيل، يسجِّل حلقة خاصة مع السيدة الفاضلة (جولدا مائير)، ويتغزَّل في جمالها ورقتها الطاغيين، وماينساش ياخُد معاه رُبع بُن وصاية، وقُمع سُكَّر، وكمان إزازتين من ميَّة النيل، دول يهود يا آبا!
وفى الحوار تؤكد (جولدا) أن (السادات) عميل إسرائيلى خفى، وإنها مكانتش عاوزة تصارحنا بالكلام ده، لكنها اضطرت تحت وطأة رغبتها في تحسين العلاقة التاريخية الحميمة بين الشعبين المصرى والإسرائيلى، وفور إذاعة الحلقة، تخرُج المُظاهرات ضد (السادات) العميل، ويُطالب النُشطاء بإعدامه فورًا، يا جماعة إعدامه مين؟ إحنا داخلين على حرب.. حرب مين يا أهبل، ده لو قعد تسعين سنة بالشكل ده مش هايحارب، ولا هايضرب طلقة، ده راجل إسرائيل، وعمال ينيِّمنا علشان نخسر سينا.. طيب ما إنتوا قولتوا مش عاوزين سينا من كام يوم، وتعالوا نعمَّر الصحرا بدالها.. معلش مكُنَّاش نعرف إن (السادات) عميل، لكن دلوقتى لازم نحل الموضوع.. نحله إزاى؟ يعنى نحارب ونرجع سينا؟ لأ.. يعنى نعدم السادات في ميدان عام، وندفنه في إسرائيل كمان!
ولو تخطينا كُل هذه المراحل والعقبات، ووصلنا ليوم 6 أكتوبر، ستجد المُذيع إياه من دول بيقول لك في خبر عاجل: الجيش المصرى بيضحك علينا وعامل نفسه عَبَر القناة، بينما أصلًا إسرائيل سابت سينا علشان اكتشفت إنها صحرا، وقالت مش عاوزين أعباء زيادة، وأنا عندى أنباء مؤكدة أن القوات الإسرائيلية انسحبت من سينا كُلَّها إمبارح العصر، والجيش المصرى عامل فيلم هندى، قال إيه هايرجَّع الأرض، وهى أصلًا صحرا ملهاش لازمة، بالذمة مش خسارة البنزين اللى ضيعتوه في الدبابات والعربيات والطيارات ده؟!
اللهم اكفى شَر أصدقائى.. أما أعدائى، فأنا كفيلٌ بهم!