محمد عبده ليس كل مايتمناه الإمام يدركه
كان شغله الشاغل التطور وتحرير العقل العربى وإحياء الفقه الإسلامى لمواجهة ومواكبة النهضة العلمية العالمية.
له مشروعه الفكرى الحضارى الخاص،والذي غلب عليه الطبيعة الفقهية الإسلامية ولكن في صورتها الحضارية والتي كان يتمناها.
إنه الإمام المثير للجدل في زمانه بسبب أفكاره السابقة لعصره «الإمام محمد عبده «، عقل الصحوة الإسلامية كما وصفه يوما المفكر الإسلامى محمد عمارة.
رفض محمد عبده السلطة الدينية على الرغم من أنه لم يناد يوما بالعلمانية،و إنما نادي بالسلطة المدنية الإسلامية. فهو يقول إن الحاكم ليس له سلطة دينية فيحكم على عقائد الناس بالفساد أو الصلاح، كما كان يفعل البابوات في أوربا، وإنما سلطة الحاكم الإسلامى مدنية ويحكم بالشرع الإسلامى كسلطة تنفيذية تنفذ هذا الشرع، وليس وسيطًا بين الله وعباده.
حارب الإمام«محمد عبده»(١٨٤٩-١٩٠٥) الفكر التقليدى في معقله داخل الأزهر الشريف، كما عمل على إعادة الأزهر إلى عهده بعد تدهور أحواله مع استيلاء الدولة العثمانية على مصر، وأصبحت بين ليلة وضحاها ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية، فأخذ الأزهر في الضعف وأصبح العلماء ينشغلون بدنياهم أكثر من دينهم، ولم يعد هناك اهتمام بالعلوم الفقهية على اختلاف أنواعها مثلما كان الوضع في عهد السلف الصالح، فاقتصر العلم بالأزهر الشريف على بعض علوم التفسير والفقه وقليل من دراسة علوم النحو والصرف،وهو ما أوغر صدر الإمام.
استغل الإمام محمد عبده، قربه من الخديو عباس باشا، فأقنعه بضرورة إصلاح المحاكم الشرعية والأوقاف وانتهج طريقا بعيدا كل البعد عن الوهابية، ولم يتجه إلى الانقياد وراء ثقافات بعيدة عن طبيعة المجتمع العربى الإسلامى، فعمل على إزالة فكر الأوهام والخرافات وضيق الأفق.
ولتنفيذ هذا.. حدد الإمام محمد عبده، عدة نقاط أهمها: الإصلاح الدينى والتخلص من الفكر التقليدى والجمود، والإصلاح اللغوى،عن طريق تحرير اللغة من الشكليات والسجع الذي لا يضيف شيئا إلى المعنى، وأخيرا والأهم الإصلاح السياسي عن طريق التخلص من الاحتلال.
كان محمد عبده يرى أن المشكلة الأساسية في الأزهر «التقليد» حتى تقليد الشيوخ فيما ابتدعوه من أوهام حشوا بها مناهج الأزهر، وان من يريد التجديد من العلماء يجب أن يفسر القرآن تفسيرًا مستنيرًا.
كراهيته للتقليد
في دراسة للدكتور عبد المعطى بيومى،عن الإمام محمد عبده ودوره في إصلاح الأزهر..قال:
«كما انتقد الأزهر، والمدارس الحكومية، والكتاتيب في القرى، وكشف عن حالة الفوضى التي تتخبط فيها كل مرافق التعليم بحيث تسير إليه من غير طرقه القوية».
ولذلك وضع الإمام لإصلاح التعليم ثلاث خطط:
- خطة لإصلاحه في الدولة العثمانية. بعثها إلى شيخ الإسلام في الآستانة.
- خطة لإصلاحه في سوريا. بعث بها إلى والى سوريا.
- خطة لإصلاحه في مصر. نشرها لولاة الأمر في مصر ولسائر الناس.
وكل هذه الخطط إنما تدور حول أن تكون التربية الدينية هي أساس التعليم الرئيسى، ويضاف إليها العلوم النافعة لتقدم الأمة، وكلها ترتكز على ضرورة أن يهب أولو العزم والمال من المسلمين ليساعدوا على إقامة هذا التعليم ونشره في الأمة؛ لأن في التعليم حماية للأمة ولأغنيائها خاصة.
قال «عبده»: «فعلى الأغنياء منا الذين يخافون من تغلب الغير عليهم، وتطاول الأيدى الظالمة إليهم أكثر من الفقراء أن يتآلفوا ويتحدوا ويبذلوا من أموالهم في افتتاح المدارس والمكاتب، واتساع دوائر التعليم حتى تعم التربية، وتنبت في البلاد جراثيم العقل والإدراك، وتنمو روح الحق والصلاح، وتتهذب النفوس ويشتد الإحساس بالمنافع والمضار، فيوجد في أبناء البلاد من يضارع بنى غيرها من الأمم فتكون عند ذلك في رتبة المساواة. لهم ما لنا وعليهم ما علينا».
كان الأمل الكبير للأستاذ الإمام في إحياء التعليم الإسلامى معلقًا على إحياء الأزهر وإصلاحه، وهو معقل هذا التعليم وحلقة الوصل بين المسلمين، والجامعة الأخطر التي يناط بها الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه، ضد الحملات الإلحادية والصليبية عبر الزمان، فإذا به يتحول إلى تخريج الفقهاء الذين لا يعرفون سوى كتب معينة ينفقون أعمارهم رخيصة في حل رموزها، وحكاكات ألفاظها، ولا يجيدون شيئًا سواها وسوى التقليد الأعمى والحزبية المذهبية الضيقة التي تجعل من الإسلام الواحد أنواعًا كثيرة متفرقة من الإسلام، هذا فضلًا عن سوء الحالة الصحية وجهل الطلاب والعلماء جميعًا بكل شيء من العلوم الأخرى غير بعض العقائد والأحكام الفقهية على أحد المذاهب.
استطاع محمد عبده في أول العلاقة بينه وبين الخديو عباس، أن يقنعه بإصلاح الأزهر، فسن قانونًا تمهيديًا لإصلاح الأزهر، وأنشأ مجلسًا لإدارة الأزهر. انتخب أعضاؤه من كبار علماء الأزهر، عدا عضوين عينتهما الحكومة.
بدأ هذا المجلس أعماله بزيادة الرواتب، وقد كان محمد عبده يرى أن يتم الإصلاح برغبة شيوخ الأزهر أنفسهم، ووضع نظام للتدريس والامتحان، ثم أمر الخديو بصرف مبلغ آخر، خصص منه جانبا لدار الكتب التي أنشئ لها مجلس إدارة، وقد كانت الكتب مبعثرة في الأزهر في الأروقة والحارات، معرضة للضياع والتلف، ثم جعل للأزهر طبيبًا وصيدلية، وحسن بعض المرافق، إلا أن الذي كان يهم الشيخ محمد عبده أكثر من غيره هو العلوم التي ينبغى أن تدرس في الأزهر، وأصول التدريس التي ينبغى أن يسير عليها المدرس، وضرورة مواظبة الطلاب، بعد أن كان الطلاب لا ضابط لهم في الغياب والحضور، كما كان المدرسون لا يهتمون بذلك، ولا يهتمون بتحضير الدروس، أو الالتزام بموضوع معين في مادة معينة، وكثيرًا ما كانوا يسبون طلابهم، ويسبون آباءهم وأمهاتهم.
أراد محمد عبده أن يصلح كل ذلك، وكاد يفلح في مسعاه، لولا أن تغير عليه قلب الخديو، فأعرض عن الإصلاح، وانحاز إليه فريق كبير من شيوخ الأزهر الذين وقفوا عقبة حقيقية في سير التقدم والنهوض بهذا الجامع العريق.
وبعد أن رأى محمد عبده أن لا فائدة عادت ترجى من مجلس إدارة الأزهر استقال منها في سنة 1905، وكان ذلك آخر عهده بالأزهر؛ إذ توفى بعدها بفترة قصيرة
ليبرالية الشيخ..
قام الإمام بتشجيع الموسيقى التي بدأت بالظهور في عصره عن طريق تشجيعه للموسيقار داوود حسنى – اليهودى – إيمانًا منة بصوته وموهبته،«طبقًا لما ورد بمقال الدكتور أسامة عفيفى» وعرف عن الشيخ تقديره للفن وله فتوى شهيرة بعدم تحريم الموسيقى.
ودافع الإمام عن حقوق المرأة ودعا إلى تعليمها في زمن كان خروجها من المنزل مثارًا للجدل كما انتقد النقاب وقال إنه عادة مكتسبة من ثقافات أخرى ليس لها علاقة بالدين الإسلامى.
وساهم الإمام في إصلاح العديد من مؤسسات الدولة مثل التعليم والقضاء والأوقاف والإفتاء هذا بجانب إقامته للعديد من الجمعيات الأهلية منها « جمعية إحياء الكتب العربية، الجمعية الخيرية الإسلاميةللأيتام».
وعين محمد عبده مفتيا لدار الإفتاء في عام 1899 م،وتوفى في 1905 بالإسكندرية،ورثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم بقصيدة مؤثرة.