رئيس التحرير
عصام كامل

سلفيون في النار !


اعتبار سلوك السلف الصالح، وعاداتهم، وطريقتهم في فهم الإسلام في عصور الرسالة الأولى، مرادفًا للدين يعنى تحويل الإسلام إلى تراث والإسلام ليس كذلك. الإسلام دين وشريعة، ليس حكرًا على مسالك أحد، ولا مرتبطا بفهم أحد، ولا محدودا بتفسيرات أحد.


لذلك فالأولى اعتبار مسالك السلف الصالح في فهم الإسلام وتطبيقاته اجتهادًا منهم (رضوان الله عليهم جميعا) وفق ثقافتهم وقدرتهم على الاستيعاب بما يتماشى مع أرضيتهم المعرفية والعقلية ذلك الوقت.. يعنى من أكثر من 1400 عام.

يمكن اعتبار اجتهادات السلف الصالح تراثًا يمكن الاجتهاد في وجوده، كما يمكن أيضا توقيف بعض ما أعدوه هم في وقتهم معلومًا من الدين بالضرورة، بينما بينت ظروفنا أنه يجوز رفعه. ليس هذا مجال الكلام عما يمكن توقيفه من اجتهادات السلف، المهم أن اجتهاداتهم في فهم الدين يمكن اعتبارها تراثًا؛ لأنها من عند أنفسهم، بينما لا يمكن اعتبار القرآن تراثًا لأنه من عند الله.

كتاب الله ثابت نصه منذ عصر السلف للآن بينما المتغير هو تفسيرات السلف له واجتهاداتهم فيما يرون أنه القصد من آيات الله في بناء المجتمعات وتقدمها؛ لذلك، فلا يكفى أن يقول من يقول إنهم على "سنن السلف الصالح" أن يكونوا على تعاليم الدين القيم.
ثم إن السلف أنفسهم لم يكونوا سلفيين.

إليك هذه القصة. في خلافة أبي بكر، نشب خلاف شديد بينه وبين عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، بعدما جهز أبو بكر جيشا للخروج إلى ما سمى بحروب «الصدقة»، بينما رفض ابن الخطاب الحرب وشهر عنه قوله (رضي الله عنه): «لو لم تكن فتنة لمنعت أبا بكر».

سبب الخلاف كان إصرار أبي بكر على الاقتداء بالرسول في كل ما فعله دون اجتهاد وبصرف النظر عن ظروف تصرفات النبى (ص) في وقائع بعينها، لذلك قرر الخروج لحرب قبائل امتنعت عن دفع أموال كانوا يدفعونها للنبى بعد وفاة النبى.

يمكن في تلك الأزمة اعتبار أبي بكر سلفيًا، بينما كان عمر تقدميا حرا، رأى أن خروج جيش المسلمين لحرب قبائل تدين بالإسلام لا يجوز. ورأى أيضا أن الأموال التي كانت تلك القبائل تؤديها للنبى (ص)، كانت مقصورة على النبى (ص) وحده في حياته بنص الآية الكريمة «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم» «التوبة - 103».

رأى عمر أيضا، أن خروج جيش المسلمين لقتل مسلمين حرام، واعتبر رغبة أبى بكر في محاكاة كل تصرفات النبى (ص)، بلا ضابط رغم تغير الظروف ليس من الدين.

لاحظ أن كل مسالك أبى بكر (رضى الله عنه) في استعداده لحرب «كل من يمنعنى عقالا كان يعطيه للنبى» كما قال، بلا اجتهاد، وبلا أدنى فرصة لمعرفة أسباب أو علل، إعطاء النبى (ص) «العقال»..كانت سلفية محضة، توقف فيها الحكم على الماضى.. ولم يفطن إلى الأسباب !

الخلاف بين السلف والخلف سلسلة في تاريخ الإسلام لم يظهر لها حلول للآن مع أن نتائجها متكررة ومستمرة لا تخرج عن صدام بين تصورات مجتمعات «التقليد» وبين مجتمعات ترغب في التجديد فعلا بينما يغل من يقول إنهم "سلفيون" يدها.. بدعوى الدين..وشريعة الإسلام.
ربما لذلك فإن بعض السلفيين في النار!
الجريدة الرسمية