مؤتمر قومي عاجل للصحة والتعليم !
أحد تعريفات السياسة المعتد بها في المعاهد والأبحاث السياسية يقول إنها فن البقاء في المنصب لأطول فترة ممكنة، وللأسف هو تعريف موجود ومعترف به، لكنه أيضا واحد من تعريفات كثيرة، منها السياسة هي الحياة، والسياسة مواءمة، وغيرها من التعريفات التي يبدو أن البعض لا يرغب في النظر إليها، وفي مصر، الوظيفة التنفيذية تخضع لتبعية الرؤية السياسية، والرؤية السياسية للوظائف العليا هي التي تضع الخطط والسياسات سواءً للعمل الراهن أو للمستقبل لتقوم الوظائف الدنيا بتنفيذ هذه السياسات؛ فماذا يحدث عندما ينشغل أصحاب الوظائف العليا بنوع واحد فقط من السياسة: سياسة البقاء في المنصب لأطول فترة ممكنة؟ دون البحث عن المواءمات والحلول وتطوير القطاع الذي يعملون فيه لصالح التركيز على بقائهم في مناصبهم لأطول فترة ممكنة، حتى لو كان الثمن استهلاك ثروات هذه القطاعات في مشروعات هدفها الوحيد إظهار المسئول بمظهر صاحب الإنجازات والفتوحات، ورغم ما يتم إنفاقه من أموال تظل القضايا الحادة والحرجة والتي تحتاج لتدخل فوري وعاجل كما هي، بل تزداد سوءًا، ويومًا بعد يوم يصل الأمر بهذا السوء إلى مرحلة الانفجار.
الانفجار الذي قد يتمثل في وفاة الأطفال في مدارسهم، أو في تدمير المنظومة الصحية بحيث تصبح المستشفيات مباني من هياكل أسمنتية بها مجموعة من الموظفين الذين يقبضون رواتب شهرية دون خدمة صحية حقيقية، وتصبح لحظات الانتظار لأخبار الكوارث والفواجع هي الأمر العادي والمتوقع قراءته كل يوم على صفحات الجرائد والقنوات الفضائية في ظل عدم اتخاذ أي احتياطات أو قرارات تسهم في مواجهة القضايا الحرجة والحادة، ومن ثم طبيعي جدا أن يتضايق المسئولون عندما تظهر هذه الأخبار، لكن ما ليس طبيعيًا ويثير التعجب - حتى لو لم تكن الدولة مرت بثورتين - أن تتعامل الحكومة مع هذه الكوارث بمنطق مطالبة الإعلام بالصمت ودفع الناس للتفاؤل، وكأن الإعلام هو من صنع هذه الحوادث وهو من أوجدها.
لو كان لي أن أقترح، لو مسموح أن يأخذ المسئولون بوجهات نظر من خارج صندوق البيروقراطية الذي يعتمدون فيه على مستشارين لا يرغبون في أن يُحدثوا أي تغيير في جوهر الجهاز الوظيفي القائم، فإني أقترح عقد مؤتمر قومي عاجل للصحة والتعليم، مؤتمر حقيقي يسمع فيه رئيس الوزراء لكل الأصوات وكل المقترحات، ولا بد أن يعقب هذا المؤتمر هيكلة لقطاعات الصحة والتعليم، ومحاسبة، وإعفاء البعض من وظائفهم، وتعيين آخرين، وفتح الباب على مصراعيه أمام الرقابة الشعبية على هذه المؤسسات مع تدريب قطاعات مجتمعية على كيفية تنفيذ هذه الرقابة بالشكل الذي يحقق الفائدة وليس التصادم.
قطاعا الصحة والتعليم هما يستهلكان موازنة المواطن البسيط، فعلى هامش مدارس وزارة التربية والتعليم، ومستشفيات وزارة الصحة، يوجد اقتصاد موازٍ يتمثل في الدروس الخصوصية والعيادات الخاصة، اقتصاد خفي خارج عن دائرة الضرائب والرقابة الحقيقية – سواءً رقابة في مستوى أداء الخدمة أو رقابة مالية بتحصيل ضرائب حقيقية من هذه القطاعات – السؤال الذي يجب أن ينزعج منه رئيس الوزراء ومجلس الوزراء بأكمله: هل ما يتلقاه المواطن من خدمات صحية وتعليمية في مؤسسة الدولة، يساوي ما تنفقه الدولة على هذه القطاعات من ميزانيتها؟ نعم نقول كل عام الميزانية غير كافية ونطالب بالمزيد، لكن ماذا إن كان أصلا ما يتم إنفاقه من الميزانية التي هي غير كافية أصلا، لا يصل في صورة خدمات للمواطنين؟