خارجة من بيت أبوها راجعة بيت أبوها!
من الآخر.. فقدت الثورة ما كان لها فى قلوب الناس من سحر وروعة، وتضاءلت الثقة فيما يخبئه لنا الغد، وبات الناس يتطلعون إلى الفرار منها بالحنين للبطش والقهر، بسبب الكفر بالممارسة السياسية، التى يغلب عليها طابع العنف العشوائى، وتآكل الشعور بالأمن والأمان، وهم يتابعون عجز سلطات الدولة عن مجرد حماية بوابة مصلحة حكومية.
أبدو فيما أقول كالنائحة الثكلى، وليست الثكلى كالنائحة المُستأجَرَة.. ذلك أن الكلمة إذا خرجت من القلب دخلت إلى القلب، وإذا خرجت من اللسان لا تجاوز الآذان.
علينا أن نعترف بمسئوليتنا جميعاً عما وصلنا إليه بعد عامين من الثورة، وإن كان النصيب الأكبر من المسئولية يقع على عاتق أصحاب الحركة فى الشارع الآن.
زمان كنا نتندر على انتهاء العُرس دون إتمامه بمقطع غنائى يقول "خارجة من بيت أبوها راجعة بيت أبوها" أى كأن شيئاً لم يكن.. وهذا بالضبط ما آلت إليه الفعاليات الاحتجاجية العنيفة فى الشارع.
هذه الفعاليات المتتابعة، صارت كالمسرحية التى نأتى لمشاهدتها بعد قراءتنا لنصِّها، وقد ألممنا بأحداثها وعرفنا خاتمتها!
الخلاصة أن الإبداع غاب عن الفعل الثورى، ومن ثم فقد أتى بنتائج عكسية.. ولست بحاجة إلى تكرار إحصاء الفعاليات التى آلت إلى ذلك المصير، بقدر ما أود تسليط الضوء على أقرب صورة، وهى صورة العصيان المدنى الأخير، الذى لم يغب عنه الإبداع فحسب، بل غاب عنه المنطق وآليات التنفيذ المقبولة، فكانت الصدمة فى رد فعل واسع المدى رافض تماماً لما حدث.. وهذا ماعبر عنه محمد يوسف المتحدث الرسمى لحركة 6إبريل "الجبهة الديمقراطية" فى نوبة صحيان تحسب للحركة، عندما قال إن العصيان المدنى لابد أن يكون نابعاً من إيمان المشاركين فيه بالأهداف المرجوة من ورائه، أما أن نجبر موظفاً على القيام بالعصيان المدنى، كما يحدث فى مجمع التحرير، فإنه يأتى بنتيجة عكسية.
أعود للقول إن الإبداعات الثورية المبهرة تكتسب بريقها من تأثيرها، ونتائجها على الأرض، من خلال التجاوب الجماهيرى الهادر والمتسع.. ومن ثم فإن غياب الإبداع (الملامس لإبداعات25يناير) عن الفعل الثورى الدائر الآن، أدى إلى فقدانه التأثير المطلوب، ليس على مستوى المشاركة الشعبية فحسب، وإنما على صعيد التأييد المناسب أيضاً، وتلك خسارة أراها أكثر فداحة من خسارة ضآلة المشاركة، إذا ما نظرنا بعين الاعتبار إلى المستقبل.. خسارة تجعلنا على وشك أن نزف الثورة على أنغام "خارجة من بيت أبوها راجعة بيت أبوها" وكأن ثورة لم تكن.