رئيس التحرير
عصام كامل

ليس بالرصاص وحده يموت المصريون!


الفساد والإهمال والتنطع.. وجوه قبيحة تعادل الإرهاب في تأثيرها على المجتمع، وربما تتفوق عليه، فبينما يقتل الإرهاب مواطنا بريئا أو عددا من المواطنين بالرصاص أو القنابل أو المولوتوف غدرا وبدم بارد وبشكل جبان، فإن الفساد والإهمال والتنطع يقتل المجتمع كله ويصيبه بحالة شلل ويسقطه أرضا في دوائر الإحباط واليأس، ويقضي على أي بارقة أمل في الإصلاح والتنمية التي تستهدف المواطن ومن ثم المجتمع كله!


وحتى لا ندخل في جدل بيزنطي لن يقدم أو يؤخر، وحتى لا يتم تلبيس الأشياء بعضها في بعض، وحتى لا يزايد أحد ممن يجيدون لعبة القط والفأر على وطنية أحد، فإن التأكيد على أن الوطن يمر بمرحلة فاصلة في تاريخه المعاصر لم يمر بها من قبل واجب وضروري، وأننا نعيش حالة حرب حقيقية مع الإرهاب الأسود الذي يضمر لمصر كل الشر ويسعى لتنفيذ خطة تقسيمها وتفكيك جيشها والقضاء على مؤسساتها الأمنية والقضائية واجب وضروري أيضا، وأننا نعاني من أزمة اقتصادية نتيجة النزيف الذي استمر أربع سنوات لمواجهة عدم سقوط الدولة فإن هذا أيضا علينا الاعتراف به وعدم إهماله، ولكن هل كل هذا وغيره يجعلنا نقول (ليس في الإمكان أبدع مما كان)، وأن نعتمد فقط طريق مواجهة الإرهاب ونترك الفساد والإهمال وصور التنطع في معظم مؤسساتنا؟!

سبق أن طالبت في كتاباتي وفي برامج تليفزيونية، بأن يكون مواجهة الفساد بكل صوره مشروعا قوميا مثل كل المشروعات القومية العظيمة التي أطلقها الرئيس السيسي منذ بدأ ولايته.. تلك المشروعات التي لن يقدر لها النجاح إلا إذا التزمت سياسة الإدارة الرشيدة وواجهت الفساد بكل قوة وقدرة وإصرار، ونحن جميعا نعلم قيمة وحجم فاتورة الفساد المادية في هذا الوطن، ناهيك عن فساد الأخلاق وتراجع القيم، المسئولين عن حالة الانحطاط التي نعيشها الآن!!

في الأيام القليلة السابقة، امتلأ فضاء مصر بعدد من الأخبار والحوادث انشغل بها الناس، واستهلكت قدرا كبيرا من جهدهم وتفكيرهم وأبعدتهم عن قضايا مهمة تتعلق بحياة هذا الوطن، كانت أولى بالاهتمام والانتباه.. هذه الأخبار كان العامل المشترك فيها هو الإهمال في صورة بارزة وواضحة للفساد المالي والأخلاقي، وغياب الحساب والعقاب فبرزت بقوة لافتة (من أمن العقاب أساء الأدب.. وسرق ونهب وأهدر وضيع حقوق الناس)!!

فبينما يقطع زجاج أحد شبابيك فصل مدرسي، رقبة تلميذ ويظل ينزف حتى الموت بعد أن ترفض بعض المستشفيات قبوله وإسعافه.. تقتل بوابة حديدية تلميذا آخر في إحدى المدارس؛ لأنه لم يتم إصلاحها قبل بداية العام الدراسي، وبينما يتجول محافظ الإسكندرية في مستشفى سموحة - الذي تم افتتاحه قبل أقل من شهر في زفة كبيرة لرئيس الوزراء ووزيري الصحة والتعليم العالي والمحافظ ورئيس جامعة الإسكندرية وقيادات شرفية تسد عين الشمس وكاميرات التصوير – وهو يصرخ بصوت عال قائلا: (أنا المحافظ يا مستشفى.. مين هنا.. فين الدكاترة وفين التمريض وفين المرضى) ولا يجد من يجيب، نعرف أيضا أن مستشفى برج العرب لا يعمل رغم حداثته ورغم كل ما فيه من أجهزة ما زال غلافها عليها ومقفول عليها بأقفال حديدية!!.. كل هذا يحدث والمرضى من الشعب المصري لا يجدون علاجا ولا سريرا يرقدون عليه ويتلقون العلاج!! 

هذا الذي أكتبه صور فساد تم اكتشافها في أسبوع واحد، فما بالنا بباقي الأسابيع والشهور؟!!.. الفساد والإهمال وغياب الضمير قتلوا كما يقتل الإرهاب عن عمد وترصد، وضيعوا حقوقا وأهدروا أموالا الوطن في حاجة إليها، ولم نسمع أن وزيرا استقال أو أقيل أو رئيس جامعة استقال أو أقيل.. ويبقى الحال كما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء!!

تفاصيل كل واقعة منهم على حدا تدعو للأسف والخجل والاشمئزاز مما نحن فيه، وتؤكد أنه ليس بالرصاص وحده يموت المصريون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الجريدة الرسمية