القضاء على جسد الإرهاب
منذ أسابيع أعلن الرئيس أوباما أن الهدف من الحرب في العراق هي القضاء على داعش، الآن لا تستخدم هذه الكلمة. تماما مثل ما سمعنا عن الخطوط الحمراء لتجاوزات الرئيس الأسد ثم التراجع عنها. وكما لم يقدم الدعم لثوار سوريا المطالبين بالحرية في بداية النكبة السورية، والآن يدور الحديث عن التصدي لممارسات النظام السوري ضد شعبه. هذا وغيره الكثير من التخبط والتأخر في السياسة الأمريكية جعلت من الصعب على أي من دول الشرق الأوسط أن تكون شريكًا جادًا في الحرب ضد الإرهاب. وإدرك الجميع أن القذف الجوي وحده لن يجدي.
أمريكا تبحث عن شريك في جدية مصر في تحالف تحرير الكويت 1991، عندما استجمعت القوى العربية والدولية وأصدرت القرار المدعوم بالإرادة الشعبية، وقدمت المعلومات، ومضي الجنود المصريون الأبرار نحو الحدود لتخليص الأخوة الكويتيين من احتلال صدام لأراضيهم، وقبل كل هذا قبل العالم الشروط السياسية. الاكتفاء بالتحرير وعدم الاعتداء على الحدود وعدم توريط الجيوش في إسقاط حكومة صدام.
بدون مصر، فشلت الحكومة الأمريكية في تقديم بعد سياسي ودبلوماسي وإعلامي لحربها لداعش. خاصة والعالم يعلم أن السبب الرئيسي لظهور داعش هو القتل المدبر الذي تعرض له الشعب العراقي والذي قاده الجيش الأمريكي. ثم استتبع بإشعال الفتنة بين طوائفه ودعم حكومات في سوريا والعراق تتبني الدكتاتورية، ولا تقوي على الوجود بدون التفرقة والقتل والاستبداد لشعوبها.
ورغم بشاعة وتدني ووحشية ما تقترفه داعش خاصة ضد المخالفين لها في الأفكار أو المذاهب. ورغم النفور والقرف الذي يكنه لها كافة شعوب المنطقة، إلا أن إصرار السياسة الأمريكية على أن تخص داعش بالحرب، وادعائها أنها المتضررة من خطورته على قواتها أو مصالحها، بينما في الحقيقة أن الشعوب العربية هي من تصطلي بنار الإرهاب وتدفع يوميًا من أرواح أبنائها، ليس فقط من داعش ولكن من الفكر الإرهابي المتطرف الذي يلفح الشعوب تحت مختلف التسميات في مصر واليمن وليبيا ولا يفلت من جبروته شخص واحد في منطقتنا العربية. رغم هذا مازالت الشعوب مستبعدة من الشراكة وهم القادرون على التصدي للفكر المتطرف أصحاب الخبرة في هذا عبر العصور.
لست في جانب إلقاء اللوم على جانب مهما كانت قوته. وقد كان لي شرف منازلة فكر الإرهاب الذي تعرضت له مصر خلال الثمانينات. ولكن لنصل إلى ما يتوجب علينا عمله الآن وهو أن نبدأ حوارًا لإعادة بناء الثقة بينا وبين أمريكا وحكومات التحالف يعتمد الشعوب وحقها في الحياة الكريمة. وخلق أمل لها يدفعها إلى تبني موقف أكيد لخلق تحالف إنساني، يستبعد التشكيك في نية الشركاء ويخلق طريقًا عادلًا للوصول للأمن والتنمية، معتمدًا للإعلام والمؤسسات الدينية الدور الأول لإبرازه، وتتلخص في الآتي:
1- خلق ميكانزم داخل الإدارة الأمريكية يقوم بوضع أهداف معلنة، بعد طرحها على المؤسسات والمجتمـع الدولي لطبيعة العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط. تحترم الحريات وتقف دون مواربة بجوار حقوق الإنسان وتضع أولويات وتحدد خطوط وأطر تلتزم بها جميع الحكومات دون ازدواجية في المعايير.
2- خلق جو من الشراكة يعتمد المصالح لجميع الأطراف، دون التغليب، وتحديد شكل الإرهاب والاتفاق على رفض جميع صوره وأشكاله، مع عدم التغاضي عن ارتكابه في منطقة دون أخرى (مثل ما حدث في غزة).
3 - يهدف الحوار أولا إلى جميع قادة المنطقة، ولكن لا يغفل أيضا النخب والطبقة المتوسطة والمؤسسات والمجتمع المدني.
4 - اعتماد الديبلوماسية والحوار لحل جميع المنازعات. بما فيها الحرب على الإرهاب حتى يدرك الجميع متي سيتوقف إطلاق النار، وكذلك فتح باب العودة لمن نتأكد من عدم اقترافه الجرائم.
5- الحوار لابد أن يمتد إلى المسكوت عليه في طبيعة العلاقات بين الطرفين. مثل إعادة صياغة المعتقدات في الإسلام، والوضع الاقتصادي اليائس لشعوب المنطقة وكيفية الخروج منه، وكيفية خلق سوق اقتصادي سليم بعيدا عن الفساد، ودور الأمريكيين اليهود في دعم إسرائيل.
من يستطول طريق الحوار وشراكة الإعلام فيه، نذكره أن داعش لم تكن موجودة منذ 3 سنوات. وأننا حتى إذا تمكنا من القضاء على جميع الإرهابيين في المنطقة فسيبقي الأهم..وهو قتل أفكارهم.