رئيس التحرير
عصام كامل

ما أشبه الليلة بالبارحة


يوما ما زعمت الإدارة الأمريكية أن هناك أسلحة دمار شامل بالعراق، وهو ما يستلزم غزو العراق للقضاء على هذه الأسلحة، حماية للعالم من شرها وخطرها، وكأنه لا توجد في "إسرائيل" على مقربة منه ترسانة نووية تهدد المنطقة والعالم بأسره..وإمعانا في الاستخفاف والضحك على العالم، زعم "بوش الابن" أنه يريد إقامة حكومة ديمقراطية في العراق بدلا من نظام حكم صدام المستبد..وقامت تظاهرات مليونية في كل أرجاء العالم حتى في الولايات المتحدة ذاتها ترفض عملية الغزو..غير أن الإدارة الأمريكية ضربت بتلك التظاهرات عرض الحائط وغزت العراق في ٢٠ مارس ٢٠٠٣، وتم احتلالها في ٩ أبريل ٢٠٠٣، وجاء "بريمر" بعد ذلك إلى العراق ليكمل المهمة وليقوم بتفكيك كل مؤسسات الدولة ونهبها، وعلى رأس ذلك الجيش العراقى.

بعد أن انتهت فترة مجلس الحكم وتسلم العراقيون السيادة المزعومة وأضحى "غازى عجيل الياور" رئيسا للجمهورية و"إياد علاوى" رئيسا للوزراء، كانت ملامح المشروع الطائفى قد تحولت إلى مشاريع تنفذ على الأرض وبدت سياسات الإقصاء والتهميش واضحة للعيان..في تلك الآونة بدأت عمليات إعادة تشكيل الجيش العراقى والأجهزة الأمنية على أساس شيعى بحت..وتم الدفع بالميليشيات التي تشكلت في إيران إلى الجيش (كفيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي قاتل إلى جانب القوات الإيرانية ضد الجيش العراقى أثناء الحرب العراقية/ الإيرانية حيث منح أفراده رتبا عسكرية عالية)..

في تلك الأثناء أيضا، كان الوجود غير العراقى - الأفغان العرب - قد أخذ في الظهور على الساحة بشكل واضح التأثير، وظهر أبو مصعب الزرقاوي أميرا لتنظيم القاعدة في العراق وأعطى البيعة لابن لادن وراح يصدر البيانات التي تزيد من تأجيج الفتنة الطائفية ليظهر المقاومة سنية بحتة ضد الأمريكان والشيعة والأكراد في وقت واحد..

ومن المفارقات حصول تحالف بين هذا التيار - الذي يفترض فيه أن يكون سلفيا متشددا - وبين الكثيرين من البعثيين الذين تربوا في مدرسة ميشيل عفلق، وكان من الواضح وجود تنسيق مع المخابرات السورية..وأصبحت الأنبار وبعض مناطق صلاح الدين تحت سيطرة هؤلاء، فراحوا يضربون بعنف وقوة الدوائر الحكومية ويعطلون الاستمرار في المدارس ويقتلون الناس على شبهة التعامل مع المحتل والدولة دون تثبت (قارن ذلك بما تفعله داعش في العراق وسوريا، وما يفعله أنصار بيت المقدس في سيناء، وما يفعله الإخوان في الشارع المصرى)..

وقد منحت هذه الأوضاع مبررا قويا للأمريكيين والشيعة للتنكيل بالمناطق السنية تحت شعار مطاردة الإرهابيين غير العراقيين.. وتوالت عمليات اجتياح المناطق السنية، بدءا من سامراء في محافظة صلاح الدين ومرورا بكارثة "الفلوجة" الثانية في نوفمبر ٢٠٠٤، ومن ثم مدينة تلعفر على الحدود العراقية/ السورية، إضافة إلى الكثير من مدن محافظة الأنبار..وبدا واضح للعيان أن المشروع الطائفى عازم على إبادة جماعية لأهل السنة، مستغلا سيطرته على أجهزة الدولة ومساعدة الأمريكيين له (تأمل الغارات الجوية الأمريكية على داعش)!!

وفى عهد "إبراهيم الجعفري" ومن بعده "نور المالكى" زاد البطش والتنكيل بأهل السنة لتكتمل فصول المأساة، حيث تكونت فرق الموت التي كانت تقتل على الهوية والأسماء، وسمعنا من أهل السنة الهاربين حكايات وروايات يشيب لهولها الولدان...

إن تنظيم "داعش" ذا الفكر التكفيري وممارسات العنف والقتل والإرهاب، ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة ممتدة منذ الخوارج الذين قتلوا "عليا" وحتى يومنا هذا، تغذيه روافد عدة..بعضها من الداخل ممثل بمتطرفى الشيعة، حيث التعصب الأعمى، والحقد الأسود الدفين، وحيث استدعاء الماضى البعيد والقريب على السواء، والآخر من الخارج ممثل بالإدارة الأمريكية، حيث المزيد من التفتيت والتمزيق...
الجريدة الرسمية