رئيس التحرير
عصام كامل

شاطر ومشطور وبينهما "حلايب"


بين حين وآخر يثور الحديث حول "مثلث حلايب" فيتصاعد الجدل ويحتد السجال وتكثر الأقاويل هنا وهناك حول تبعيته التي يتنازع عليها مصر والسودان.. كلا منهما يؤكد أحقيته به، وامتلاكه للأسانيد والحجج والبراهين القانونية والتاريخية التي تعضد من موقفه وتدعمه في مواجهة الآخر..

وتبلغ مساحة مثلث حلايب 20.580 كم2 ويضم ثلاث بلدات رئيسية وهي حلايب وشلاتين وأبو رماد، ويتميز بثروة سمكية هائلة، بالإضافة إلى خصوبة أراضيه التي تعتمد على المياه الجوفية ومياه الأمطار، بالإضافة إلى خام الذهب الذي ينتشر في مناطق متعددة أهمها منطقة ميسبة وغرب جبل أورجيم، ويعد جبل الأنبط بشلاتين من أغنى الجبال التي تحوى كميات هائلة من الذهب.

وحددت اتفاقية الحكم الثنائي الموقعة في 1899 بين مصر وبريطانيا الحدود بين مصر والسودان بدائرة عرض (22 شمالا) لمصر وجنوبا للسودان، وعليه فإن مثلث حلايب يقع داخل الحدود السياسية المصرية، وهو ما تتمسك به مصر.

وفي عام 1903 قررت بريطانيا باعتبارها دولة احتلال لمصر والسودان، تبعية مثلث حلايب إداريا للإدارة السودانية نظرا لابتعاده عن القاهرة وقربه من الخرطوم، وهو ما تعتمد عليه السودان في مطالبتها بأحقيتها فيه.

وفي لقاء خاص جمعني الأسبوع الماضي مع وزير الخارجية السوداني على كرتي، حرص على التأكيد بأن "موضوع حلايب لا يمثل أزمة بين البلدين، وأنه يمثل أزمة فقط في أذهان بعض الإعلاميين والصحفيين، وأن قضية حلايب هي قضية قائمة بين البلدين منذ فترة طويلة، مطالبا بعدم إثارة القضية في وجه العلاقات الثنائية، وضرورة أن يطرق الموضوع والتوافق حوله في إطاره، وأنه لا يمكن أن يكون سببا في نزاع أو صراع عسكري بين البلدين الشقيقين، وإن لم يتم التوافق حوله سياسيا فهناك الأطر القانونية وبما يتفق عليه البلدان أيضا".

إلى هنا انتهت تأكيدات وزير الخارجية السوداني.. التي وإن كانت تتعارض مع ما صدر من السودان منذ فترة قريبة من تصريحات، إلا أنه يمكن اعتبار تلك التصريحات للاستهلاك المحلي لمواجهة الوضع المتأزم الذي تتعرض له الحكومة السودانية داخليا.

والحقيقة أنه لا السودان تمكنت من المحافظة على كامل أراضيها وضمان وحدتها وسلامتها وتركتها تتمزق جنوبا وشرقا وغربا.. ولا مصر استثمرت كافة أراضيها واستغلتها الاستغلال الأمثل..

والسؤال الذي يجب أن يطرح نفسه بقوة إلى متى تظل أراضينا بدون أدنى استغلال لخيراتها وثرواتها وإمكانياتها وقدراتها، ونتركها تضيع هباءً منثورا بلا فائدة والمواطنون يرزحون تحت وطأة الفقر والجوع والازدحام وكل مختلف المشاكل الاقتصادية والأمراض الاجتماعية وما تخلفه من أعراض سياسية وأمراض نفسية..

هل نكرر نفس أخطائنا وخطايانا مع سيناء، فنتركه حتى يسيطر عليه الإرهابيون أو يطمع فيه الطامعون فنحرك إليه القوات ليخوضوا حربا جديدا يدفعون خلالها من دمائهم وأرواحهم ضريبة الإهمال والتقاعس وقلة النظر وغياب الرؤية الشاملة والمتكاملة لاستغلال ثروات الوطن وحماية أراضيه بأفكار من خارج الصندوق..

علينا أن نعي أن حدود أي دولة هي مكمن الخطورة ومصدر التهديد الرئيسى لأمنها القومي، وأنه في ظل التداعيات التي تشهدها المنطقة.. والتغيرات المتسارعة التي تعتري الساحة الدولية.. وما يحاك من مخططات ومؤامرات، وفي ظل تهديد حدودنا الشرقية والغربية، لابد وأن تحرك لتأمين حدودنا الجنوبية، ولا يمكن أن نظل قابعين متخندقين في هذا الحيز الضيق من عقولنا قبل أن يكون من وطننا، تاركين جله تنعق فيها الغربان وتخطط له الشياطين للاستحواذ عليه أو قضمه..
الجريدة الرسمية