مثقفون وناشرون: عفوًا.. الساخرون الجدد خارج نطاق الخدمة
يرى مثقفون وأكاديميون وناشرون أن زمن الكتابة الساخرة الحقيقية قد ولى وأدبر، برحيل أحمد رجب، آخر الساخرين المحترمين، ومن قبله جلال عامر ومحمود السعدنى، وأجمعوا أن الجيل الجديد من الذين ينسبون أنفسهم إلى الكتابة الساخرة زورا، يكتبون سماجة واستظرافا وابتذالا، اعتمادا على أن بضاعتهم تجد رواجا عند فئة معينة.
يقول الكاتب والأديب يوسف القعيد، إن مصر افتقدت برحيل أحمد رجب آخر أعمدة الكتابة الساخرة متمنيا: « أن تظل مصر ولادة، وكتابها كثيرون، ولديهم من القدرة على نقد الواقع الاجتماعى بشكل جيد وغير متطرف وبعيد عن السماجة والابتذال».
وأضاف، إن الكتابة الساخرة لها قواعدها التي تتبع فليس كل من كتب كتابة هزلية أو كلاما سخيفا يكون من الكتاب الساخرين، مشيرًا إلى أن الكتابة الساخرة تعد من أخطر أنواع الكتابة الصحفية ولها تأثير كبير على وعى المواطنين.
وتابع القعيد إن الكتابة الساخرة سلاح ذو حدين فإذا استخدمت في انتقاد السلبيات في المجتمع والسعى من أجل الإصلاح فتكون أحد عوامل رقى المجتمع وتحضره، بخلاف إذا كان يقوم على الانتقاد من أجل الجدل، والنقد فقط ففى تلك الحالة تكون هدامة، كما أن هناك ضوابط للكتابة الساخرة، أبرزها عدم التدخل في الحياة الشخصية للآخرين، فالانتقاد يكون في الصالح العام بعيدا عن أي أغراض شخصية.
ويرى الناشر محمد رشاد أن الكتابة الساخرة يجب أن تترك بصمة وتعليما، أما ما نراه في السنوات الأخيرة فهو ليس إلا حالة غريبة ومريبة من السماجة والاستظراف.
ويعترف أحمد الزيادى مسئول النشر بدار الشروق، أن سوق الكتابة الساخرة ينقصه كتاب ساخرون حقيقيون، مؤكدا أن دار الشروق لا تزال في مرحلة البحث عن كاتب ساخر يملأ بعضا من الفراغ الذي تركه رحيل أحمد رجب وسابقيه.
وتصف الدكتورة فاطمة البودى صاحبة دار نشر العين مستوى الكتابة الساخرة بأنها أشبه بأفلام المقاولات، التي أفسدت السينما المصرية في فترة الثمانينات.
وعن رأيه الشخصى في الكتب الساخرة الحالية قال الأديب الكبير مكاوى سعيد: أرى أنها كتابة سمجة وثقيلة الدم يمكن أن تجد بها موضوعين أو ثلاتة جيدين، بينما باقى الموضوعات كتبت على عجل، لأن الشباب مع سوق النشر المفتوحة يتعجلون فلا تكتمل مواهبهم.
وحمل الناشر محمد هاشم مدير دار ميريت مسئولية انتشار بعض الكتب المبتذلة التي يتم ترويجها باعتبارها ساخرة، لدور النشر التي تنشرها، مؤكدا أنها تتحمل مسئولية أخلاقية ومهنية جسيمة، لأنها تساعد على نشرها، وأوضح أنه يرفض نشر مثل هذه النوعية من الكتب لأن تفسد ذوق الناس.
من جانبه أعد المركز العربى للبحوث والدراسات تقريرا كتبه الدكتور شريف درويش اللبان عن الكتابة الساخرة في مصر بعنوان «الإعلام الساخر من يعقوب صنّوع إلى أحمد رجب وباسم يوسف».
أوضح التقرير أن الصحافة الساخرة بدأت بمصر في الخامسِ والعشرين من مارس عام 1878، لتكون البداية لانطلاق لون خاص في الصحافة المصرية أطلق عليه «الصحافة الساخرة» وذلك على يدى يعقوب صنوع، وكانت هذه هي السطور الأولى التي خطت بصحيفته «أبى نظارة زرقاء» إلى هذا المجال الجديد:
«إنه كما كان لكل مائدة فاكهة تخفف ثقل الأغذية، كذلك لا بد لموائد العقول من فاكهة تخفف عن العقل أتعابه.. فأهل أوطاننا وإن كانوا نالوا من العلوم والمعارف ما قد نالوه، إلا أنهم فقدوا فاكهة تسليتهم عند كلال عقولهم وتعبها، فمن أجل هذا رأينا أن ننشر جرنالًا يشتمل على ذكر الوقائع بوجه يزيل عن النفوس بؤسها، ويريحها من أتعاب إحساساتها، على أنه ليس الغرض منه مجرد الضحك، بل الاشتمال على الحكم والمواعظ الحسنة».
وهذا اللون من الصحافة الساخرة أجمع الباحثون والمختصون على أن له مكانته المتميزة والمؤثرة، لما يتركه من أثر فاعل على المتلقي، قارئًا مهتمًا، أو مختصًا أو متابعًا عابرًا، تكمن مفاتيحه في المصاهرة والملاقحة بين الواقع والحلم عبر تقديم أفكار فانتازية لا تخرج عن الواقع مرة والحلم أخرى، حيث اتسم هذا النوع من الصحافة بالنقد الساخر اللاذع، فكانت مقالاته ورسومه الكاريكاتيرية، السلاح الذي رُفِع بوجه الظواهر السلبية، وساهمت في التصدى لكل ما هو فاسد بأسلوب ناقد ساخر جريء، على الرغم من الظروف التي أحاطت به والقيود التي فرضتها قوانين المطبوعات أو تعليمات السلطات، فلم تترك الصحافة الساخرة مجالًا دون أن تنفذ إليه وتمارس دورها كرقيب شعبى يرصد الأخطاء ويفضح المفاسد ويعرِّى المفسدين، كما كان لها دور في ترسيخ مبادئ صحفية أثمرت عن مكافحة الكثير من الأمراض السياسية والاجتماعية وغيرها التي نخرت في جسد البلاد وأحدثت خللًا في منظوماته القيمية والمعرفية.
كما أشار التقرير إلى أن هناك جيلا جديدا من الساخرين الجدد منهم الإعلامي الساخر باسم يوسف، وقال التقرير الصادر عن المركز العربى للبحوث: إن باسم يوسف في حد ذاته ظاهرة تستحق الدراسة في السخرية من محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، لدرجة أن الشعب المصرى كان ينتظر برنامجه مساء كل جمعة ليضحك على هذه الجماعة التي تستحق الرثاء من أدائها البائس، وكان نشطاء شبكات التواصل الاجتماعى يقولون إن مرسي يؤخر خطاباته إلى نهاية الأسبوع لتفويت الفرصة على باسم يوسف من السخرية منه، إلا أن باسم كان أحيانًا ما يؤجل تسجيل حلقة برنامجه إلى مساء الخميس بدلا من مساء الأربعاء للتعليق الساخر على خطابات مرسي الهزلية، وفى أول ظهور له بعد التحقيق معه، واصل الإعلامي المصرى الساخر باسم يوسف سخريته من سياسات المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، وذلك بعد أقل من أسبوع من خضوعه للتحقيق أمام النيابة العامة بتهم تتعلق بإهانة الرئيس وازدراء الدين الإسلامي، وأخلت النيابة العامة في مصر سبيل باسم يوسف بكفالة مالية بعد ساعات من التحقيق معه بتهمتى إهانة الإسلام «لسخريته من شعائر الصلاة» في برنامجه وإهانة مرسي «بالسخرية من صورته في الخارج». قبل أن ينقلب الرأى العام على باسم يوسف ويطالب بمنع ظهوره على الفضائيات بسبب ماوصفوه بتجاوزاته وانفلاته الأخلاقى.