رئيس التحرير
عصام كامل

عبد العزيز البشرى.. السخرية على سُنة الله ورسوله

فيتو

الحكايات التي تروى عن الشيخ عبد العزيز البشرى، تنسج لوحة من الفكاهة الذي سبق بها عصره وكعادة المتميزين في كل شىء فقد حطم تابوه الساخرين كما حطم التابوه الخاص بالقضاة، فلم يكن ماجنا ولا تافهًا ولكنه كان حريصا كل الحرص على ألا تنال خفة دمه وسخريته من هيبته الأزهرية.


عشق البشرى الكتابة الساخرة ووهبه الله خفة الظل الذي نماها بالقراءة العامة في الثقافات المختلفة ليستطيع أن يكون مختلفا ومتميزًا عن كتاب عصره، فلم يكن يوما متعصبًا للقديم ولا متحيّزًا له، وكان يقدر حريّة الفكر ويدعو إلى التجديد في علوم اللغة العربية المختلفة وكان يعرف الحياة العصرية ويعيشها مع أسرته.

وكان البشرى يلقى الدعابة والسخرية دون إسفاف أو مجون كما كان معروفًا عن الساخرين في ذلك العصر أو إهانة لمن حوله حتى لا يعطيهم الفرصة للنيل منه ولا من هيبته الأزهرية ومركزه كقاض شرعى.

كان يجمع الشيخ عبد العزيز البشرى وشاعر النيل حافظ إبراهيم صداقة قوية عن باقى أقرانه وكان لهم سويًا العديد من المواقف الساخرة التي اشترك بها معًا، كما رثاه عباس محمود العقاد بمجلة «الإثنين والدنيا» وطه حسين في مقدمة كتاب «قطوف» الذي نشر بعد وفاتة، ورثاه أشهر شعراء عصره من أمثال «مطران خليل مطران، ومحمد عبد الغنى حسين».

كل من قرأ عن عبد العزيز البشرى لا ينسى له تلك الواقعة الطريفة، حيث كان مدعوا مع نفر من أصدقائه على تناول العشاء عند أحدهم ولما نهض ليغسل يديه، عاد فوجد عباءته مرسوما عليها وجه حمار، فصاح قائلا: «من منكم مسح وجهه في جبتي»؟ وضحك الجميع.

ويحكى أنه عندما كان يشغل منصب « قاض شرعي» اجتمع في مجلس مع المرحوم الفريق إبراهيم فتحى باشا، وكان وزير الحربية، آنذاك فأراد الأخير أن يمزح مع الشيخ القاضى فقال له:‏هل في الحديث الشريف: «قاض في الجنة وقاضيان في النار»
فأجاب الشيخ عبد العزيز في خفة متناهية:‏ نعم، وفى القرآن الكريم: «فريق في الجنة وفريق في السعير».
وذات يوم ركب البشرى الترام، وجلس إلى جانبه فلاح، ونظر إلى الشيخ وأخرج من جيبه خطابًا ناوله له ليقرأه،ولما كان خطه رديئًا، فقد عسر على البشرى القراءة، فقال للفلاح: « والله يا أخينا مش عارف اقراه»، فاندهش الفلاح وقال له:‏
«أمال العمة الكبيرة دى كلها على أيه؟» فما كان من البشرى إلا أن خلع العمامة ووضعها على رأس الفلاح وقال له:«اتفضل اقرا انت بقى».

يحكى أن البشرى الذي كان يرتدى العمامة شوهد ويسير مع ابنتيه اللتين كانتا تلبسان البرنيطة، وكان ذلك من مظاهر المدنية،. فلم يتمالك مواطن صعيدى نفسه وصاح قائلا: « شوفوا ده الشيخ بيمشى مع بنات بالبرنيطة»، فباغته الشيخ الساخر قائلا:
: «يعنى عاوز إيه؟ عاوزهم همّا كمان يلبسوا عمة زيي؟
وعندما وجد حافظ إبراهيم صديقه البشرى حزينا ذات يوم، سأله عن سبب حزنه وتعاسته، فروى البشرى القصة قائلا:‏
«جاءنى اليوم رجل من بلدة نائية يرغب ويلح في نشر اسمه بالجريدة، وسألته، هل أنت عمدة؟ فأجاب بالنفي، هل كنت ضمن زوار رئيس الوزراء؟ قال: لا.هل مات قريب لك فننشر اسمك في صفحة الوفيات، أجاب: لا. فقلت له: اسمع ياعزيزى اذهب فارم بنفسك تحت الترام وعندئذ ننشر اسمك»!‏
وسأله حافظ.‏
وماذا يحزنك في الموضوع؟‏
أجاب البشري:‏
يبدو أن الرجل أطاعنى فقد خرج ولم يعد !!
- من أعمال البشرى: «في المرآة» (مقالات قصيدتاه الرائيتان، تخالفان ما عرف عنه من التعبير الساخر، فقد جاءتا رثائيتين بينهما ثلاثون عامًا، حركته فاجعة موت نجلى أحد أصدقائه فكتب الأولى، وهزه موت صديقه (حلمى المنشاوي) فكتب الثانية، وفيهما تعبير راق عن العاطفة الصادقة، والألم الإنسانى الشفيف، ويحددان وجهة أخرى غير ما عرف عنه من روح السخرية والنقد.

تدل القصيدتان على تمكن موهبته، ولكنه وقد عاصر الشعراء الكبار شوقى وحافظ إبراهيم وخليل مطران آثر أن يضع قدرته الفنية في النثر يرسم به صوره الساخرة الناقدة.

وقد شارك البشرى في أشهر الصالونات في عصر همثل « صالون مى زيادة، وكرمة ابن هانئ (منزل أحمد شوقي) وبيت آل عبدالرازق. كما كان قريبًا من أجواء الفن والصحافة الاجتماعية.
كما اهتم البشرى بالسياسة في عصره حيث شارك في ثورة 1919.

شغل العديد من المناصب المهمة فقد كان قاضيًا بالمحاكم الشرعية (1922) ثم مفتشًا بالمجالس الحسبية وسكرتيرًا للجنة وضع الدستور، ووكيلا لإدارة المطبوعات سنة 1930، مراقبا بالمجمع اللغوى سنة 1943.
كما حاضر في العديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية في ذلك الوقت. أدبية) - دار الكاتب المصرى - القاهرة 1927، «المختار» - لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة 1935، «قطوف» - دار الكاتب المصرى - القاهرة 1947، «التربية الوطنية للمدارس الابتدائية» (تأليف مشترك)، تاريخ الأدب العربي، «المنتخب من أدب العرب» (تأليف مشترك)

وقام بالكتابة في العديد من المجلات الشهيرة في ذلك العصر ثم قام بجمع تلك المقالات في كتاب «قطوف» المكون من جزئين، وفيه يصوّر ألوان التفكير المصرى وبيئاته، و«المختار» وهو مجموعة مقالات في الأدب والوصف والتراجم. وقد تناول في الأدب موضوعات عن تطور الأدب العربى وفوضى النقد، وبيّن طبع الشاعر وتصنع الأدب بين القديم والجديد.

ووصف أسلوب البشرى طبقا لما ورد في الموسوعة العربية بأن له أسلوبا خاصا متينا، أضفى عليه بعضًا من ذوقه السليم وعلمه الواسع وسرعة خاطره وحضور بديهته وقدرته على لطف التصوير والتخيل، ونكتته التي كان يرى لها أثرًا كبيرًا لا يقتصر على رسم البسمة على الشفاه أو إضحاك المستمع بل ترمى إلى تخليص النفس من الهموم وجلاء القلب من الغم وصفاء النفس، وهذا ما جعل أسلوبه فذًّا تفرد به بين الكتّاب.

وعرف عن البشرى تأثره في كتاباته بكل من «الجاحظ» في رسم الصورة والتصوير، وظهر ذلك بوضوح في تحليله للعديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية البارزة في عصره،والنقد اللاذع السخرية في نفس الوقت الذي تميزت به كتاباتة.

توفى شيخ الساخرين في 1363 هجرية -1943 ميلادية وهو يشغل منصب المراقب الإدارى بمجمع اللغة العربية،تاركا ميراثا لابأس به من الكتابة الساخرة التي يرى مهتمون بالكتابة الساخرة أنها تمثل زادًا لا ينضب لكل من أراد أن يقتحم مجال الكتابة الساخرة دون ابتذال أو إسفاف.
الجريدة الرسمية