رئيس التحرير
عصام كامل

الحرافيش للحكومة: إحنا نساوي كام؟!

فيتو

هناك أناس يعيشون بيننا نحن فقراء وحرافيش هذا الوطن أكثر فقرا وبؤسا.. ولأن الفقر هو الذي يأخذ للبؤس.. والبؤس يأخذ للضياع.. فهناك كثيرون في وطننا ضائعون تائهون لا يعلمون كيف بهم غدا سيكون.

أكتب هذه المقدمة القصيرة بعد قراءتى لتلك الرسالة التي جاءتنى ضمن رسائل كثيرة وصلتنى هذا الأسبوع والتي سأعرضها عليكم في السطور القادمة دون حزف أو إضافة:
عزيزى الحرفوش الكبير تحية طيبة لك منى أنا التي لم أقرأ مساحتك هذه قط.
أنا التي ما طننت يوما أن امسك القلم لأكتب لك أو لغيرك.. فالكتابة في الصحف لطرح المعاناة تعد لدينا بمثابة السؤال.. والسؤال في عرفنا إذا جاء لغير الله فهو مذلة لا نعتادها.. لكنها حقا الحاجة والمذلة لله قبل سواه والتي ألهمتنى بالكتابة إليك لعل الله يجعل لى فيك وفى جريدتكم ملاذا مما أنا فيه من جحيم.
فأنا ياسيدى سيدة تبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما.. تزوجت في سن الرابعة عشر.. لا أعرف عن الرجال سوى زوجى وأتذكر أنه قد كان لى أبا فارق الحياة وأنا طفلة في سن السادسة.. تربيت على يد والدتى بمعاونة أعمامى وأخوالى.. فأمى لم تكن تعمل ولم ترث عن زوجها سوى بقرة وبقايا منزل كنا نعيش فيه.. ولما خرطنى خراط البنات طلبنى جارنا للزواج فوافق أعمامى وأخوالى دون تردد وكأنهم يخففون عن كأهلهم حملا ثقيلا
أكمل زوجى تربيتى على طريقته وعلمتنى أمه فنون الطبخ والكنس والغسيل وعلمنى هو كيف أمتعه ليلا عندما يعود من عمله.. وبين دوري كخادمة في الصباح وجارية تطيع أوامر الهوى في المساء مرت سنوات شبابى التي أسفرت عن خمسة بنات كلهن يبلغن سن الزواج حاليا إلا واحدة مازالت في الرابعة عشر لكنها ليست كمثلى في ذاك العمر.. فالزمان غير الزمان والأفكار غير الأفكار والدنيا ليست كحالها
كان زوجى يعمل باليومية وكان في عمله لينا كالعجينه وأكثر لينا طالما هو ما زال في الشارع.. لكنه كان فهدا علينا أنا والبنات بمجرد أن تطأ قدماه المنزل.. ويبدو أن هذا كان نوعا من المرض وكما يقول بيت الشعر الشهير "أسدُ عليا وفى الحروب نعامةّ
وكنت أتحمل كل هذا حتى كبر بناتى وكبر هو بالتبعية وأصبح لا يقوى على العمل الشاق فراح يعمل "خفيرا" يحرس المحال بالمدينة ليلا
دخله بات لايكفى رغباته من سجائر ومنشطات كان قد اعتادها كى يتقن دور الأسد على أنثاه التي رزقته بها الأيام التي هي أنا.. وأنا بحكم السن قد تعبت ولم أعد أتحمل كل هذا إلا أنه يصر على ذلك كل ليلة وينام النهار منتظرا أن تعود ابنتنا الممرضة من عملها وأختها من السوبر ماركت الذي تعمل به حتى يحصل منهما على ثمن مأكلنا وحاجاتنا اليومية.

ولما صار الزمن غير الزمن وكبرت الجارية وقويت شوكتها بوجود بناتها وأدركت أن الأسد ليس أسدا وأنه مجرد حبات من البرشام المنشط الذي يذهب العقل ويهيف صاحبه لدرجة أنه لا يقوى على توفير حاجة بناته وسترهم عن أعين الطامعين كنت قد قررت الابتعاد عنه تماما فسنى لا يسمح بمهاتراته على الإطلاق.

أكبر بناتى يا سيدى تبلغ من العمر سبعا وثلاثين عاما وهى في عرف القرى تعد عانسا فاتها قطار الزواج وارتحل دون رجعة.. وكانت دائمة الذهاب إلى بيت جدتها كى تعينها وتقوم بخدمتها.. وكان أبوها دائم الذهاب هناك يجالس أمه العجوز ويستانس بجيرانه القدامى.

وفى يوم من الأيام لاحظت على ابنتى تغيرات في حركتها وبدى عليها الإرهاق حتى أنها كانت تعانى من آلام لا يمكن أن تأتى لأنثى لم يصبها الزواج.

بدا الشك فيها يدخل قلبى لكنى لم ألحظ عليها أي تحركات مريبة.. فهى لا تخرج إلا لبيت جدتها وتعود بصحبة أبيها إذا ما تأخرت للمساء
ابنتى بدا على بطنها ارتفاعا لا تلحظه سوى أم لابنتها.. سألتها عن سر ذلك فلم تجد مبررا.

مر شهر على ذلك فلاحظت أن بطنها قد كبرت أكثر ولأننى لا أريد أن أصدق نفسى أخذتها للطبيب.. ولأن الشك كاد يقتلنى قررت أن أذهب بها لطبيب بالمدينة ولا أذهب لطبيب القرية تجنبا للفضيحة إذا ما ثبت ظنى.

مبروك بنتك حامل يا حاجة.. هكذا قالها الطبيب..
لملمت نفسى وابنتى وعدنا إلى البيت وكان ما كان من أسئلة وضرب حتى علمت منها أن والدها هو الذي ارتكب تلك الجريمه وانه كان يعاشرها في بيت جدتها
واجهت زوجى الملعون بجرمه فما كان منه إلا أن اختفى عن البيت والبلدة كلها ولم نعرف له مكان حتى الآن وتركنا نواجه العار
لم نقص رواية فضيحتنا على أحد فأخذت بناتى وتركت القرية والمحافظة برمتها وذهبت إلى محافظة أخرى بعد أن بعت بقرة نمتلكها خلفها عجل رضيع
وفى محافظة الجيزة توجهنا إلى منزل ممرضة زميلة لابنتى فحصلت لنا على شقة صغيرة بإحدى المناطق العشوائية عبارة عن غرفة وصالة وحمام نتكدث فيها انا وبناتى الخمس دفعنا فيها كل ما كان معنا من نقود وأصبحنا ننتظر أولاد الحلال كى يمنحونا ما نقتات به
مر على هذه الاحداث ستة أشهر أعانى فيهما وبناتى الأمرين.. لذا قررت أن أكتب لك رسالتى هذه بعد أن نصحنى بناتى بذلك لعلنا نجد عندك مخرجا
فأنا ياسيدى أريد منك في حال أن تحظى رسالتى هذه على نصيبها في النشر أن تنشرها موجهة للحكومة تحت عنوان "إحنا نساوى كام ؟"
فهل ياسيدى سيكون لأمثالنا ثمنا في أعين الحكومة.. وهل ستنظر إلينا بعين العطف باعتبارنا مواطنون في هذا البلد.. أم أننى أبيع ما تبقى من شرف بناتى الأخريات ونترك حدودها إلى حيث لا رجعة ؟!َ!
الجريدة الرسمية