رئيس التحرير
عصام كامل

استشعار الحرج.. مفيهوش حرج!

المستشار أسامة الجرواني
المستشار أسامة الجرواني

استشعار القاضي الحرج هو مبدأ قانوني جدير بالاحترام، إذ يعلن القاضي بإرادته الحرة عن رغبته في عدم نظر القضية المعروضة عليه، والقاضي في ذلك حر إما أن يفصح عن هذه الأسباب أو لا يفصح عنها، فالعدالة لدى القاضي إحساس لابد من توافره لدى نظره لكل القضايا ومع اختلاف الخصوم في الدعاوى أمامه.


واستشعار الحرج يحدث لدى القاضي عندما يتعرض لضغوط أو يجد في نفسه هوى قد يميل به عن الحق وغير ذلك من أسباب يحتفظ بها القاضي دون أن يصرح بها، ويختلف استشعار الحرج عن أسباب رد الخصوم من المتقاضين للقاضي والتي يجوز للخصوم إبداؤها إذا كان بين القاضي وأحد الخصوم عداوة أو مودة أو قرابة يشعر بها عدم استطاعته الحكم بغير ميل لخصم أو تمييز لأحد طرفي الدعوى.

وقد جاءت نصوص قانوني "المرافعات المدنية والتجارية" و"الإجراءات الجنائية" لتؤكد صحة تنحي القضاة لاستشعارهم الحرج دون أن تلزم تلك المواد القاضي بتسبيب قرار تنحيه عن نظر الدعوى، وهو ما يؤكد بما لا يدع ثمة مجال للشك أن تنحي القضاة لاستشعارهم الحرج هو تصرف قانوني مائة بالمائة ويخدم صالح العدالة ويعكس شموخ القضاء المصري وشفافيته.

إن القضاء مسئولية وأمانة أمام الله عز وجل يحملها على عاتقه عباد الله الذين أولاهم هذه المسئولية العظيمة، وأمام عظم حجم المسئولية يكون الحساب أمام الله عز وجل، فلا ننسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح "الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ"، لذلك وجب على القاضي الاختيار بين الفصل في الدعوى أو التنحي عن نظرها.

وإني لأعجب أشد العجب من موجة تسود المجتمع هذه الأيام، والله إني أراها غريبة على مجتمعنا دخيلة عليه، ألا وهي الاستهانة بمهمة القضاء والتهكم على بعض القضاة إن قرروا التنحي عن نظر بعض القضايا من بين أيديهم، ألا يدرك الناس أنهم بهذا السلوك قد يضطرون القضاة إلى الحكم تحت "إكراه نفسي" بسبب موجة الهجوم والتهكم تلك؟! أو إلى الخوف من رده فعل المجتمع إذا قضى، يا سادة لا يقضي القاضي وهو غاضب وأزيد على ذلك أن القاضي لا يقضي وهو خائف أو به هوى أو ميل لأحد الخصوم أو ضده، وليس من بيننا بإذن الله غاضب أو خائف أو صاحب هوى، لكن يجب على الجميع احترام قرار القاضي، فاستقلال القضاء ليس ترفًا، وليس خيارا للشعوب أو الحكام، بل هو أحد الأعمدة الرئيسية في الدولة المصرية، وعلى جميع أفراد المجتمع والهيئات العمل باستمرار على الدفاع عن استقلال القضاء وحمايته والتصدي بكل حزم ضد كل من يمس بهذا الاستقلال أو يحاول المساس به.
الجريدة الرسمية