رئيس التحرير
عصام كامل

مبارك يبنى سد النهضة!!


أكد تعداد مصر عام ١٩٣٧ أن عدد السكان قد وصل إلى ١٥ مليونا و٩٠٤ آلاف نسمة، وهو الرقم الذى اعتبره خبراء الرى المصريون كارثة وتوقعوا أن يصل عدد السكان عام ٢٠٠٠ م إلى قرابة الثلاثين مليون نسمة، وهو الرقم الخاطئ حسبما دلل الواقع المخيف للتعداد فى هذه الفترة..

وقال خبراء الرى فى ذلك الوقت إن مصر ستعانى ندرة فى المياه، حيث كانت مصر تزرع عام ١٩٣٧ م قرابة خمسة ملايين فدان ونصف مليون فدان.. وطالب الخبراء بزيادة الرقعة الزراعية إلى أكثر من سبعة ملايين فدان حتى تكفى التزايد الرهيب في عدد السكان..

بالطبع لم يتوقع الخبراء أن يتفرغ سكان مصر للإنتاج البشري دون غيره من صنوف الإنتاج الأخرى وبات واضحا أن خبراء الرى لم يكن لديهم القدرة على توقع خصوبة المرأة المصرية وتفرغ الرجل المصرى لقضاء أرخص الليالى التى حللها الكاتب والأديب العظيم الراحل يوسف إدريس" فى رائعته "أرخص ليالى".."

كان خبراء الرى يدقون ناقوس الخطر في حين ترك خبراء الصحة فكرة مواجهة خطر التزايد السكاني إلى مؤسسات دينية ترى أن العدد هو ما سوف يتباهى به الرسول الكريم يوم القيامة دون أن ندرك أن لدينا مثلا شعبيا عميقا يقول "العدد في الليمون"، وهو المثل الذى يقدر الكيف دون الكم، وتركنا الشعب نهبا للتنافس على عدد الليمون !!

في ذلك التاريخ كان خبراء الرى فى مصر هم الأهم وهم المدعومون من الدولة المصرية وهم المتجولون فى أعالى النهر يراقبون كل شيء ويقيمون المشروعات التي تعود على بلاد النهر وأولها مصر بالخير.. كانوا يراقبون التبخر والتسرب ومناسيب المياه في بحر الغزال وبحر الزراف وبحيرة ألبرت وبحيرة فيكتوريا وبحر الجبل والمستنقعات.. كانوا فرقا من المقاتلين والمجاهدين الشرفاء يراقبون كل دقائق الأمور.. كانوا خبراء يعلمون كل تفاصيل الحياة في إفريقيا.. كانوا جسورا للتعاون وحضارة تنقل كل صنوف التقدم إلى عمقنا الإفريقى.. ماذا حدث ؟

الذى حدث باختصار أن مبارك أخرجنا من عمقنا الإفريقى فى جريمة لا تضاهيها جريمة، ومن قبله كان السادات قد أمعن النظر في العمق الأمريكي وخرج مبارك إلى الضفة الأخرى للمتوسط ونسفنا كل ما يربطنا بعمقنا الإفريقى وعندما أفقنا على كابوس سد النهضة لم ندرك أننا أول من بدأ بناء سد الإهمال مع أشقائنا فى إفريقيا.. وبذلك يكون مبارك من أول بناة سد النهضة وليست إثيوبيا!!

الجريدة الرسمية