رئيس التحرير
عصام كامل

ونحن نقبل التحدي يا فريد بك !


السؤال الوحيد الذي كرره الأستاذ فريد الديب - ولقبه المفضل بين محيطيه هو فريد بك - على الإعلامي أحمد موسى في حلقة الأمس على قناة "صدى البلد" هو: "اتحدي من يأتي لي بشخص واحد قال رأيه بحرية فترة حكم جمال عبد الناصر" ! وراح الرجل يكررها عدة مرات في تحد مذهل!

نستجيب للأستاذ الديب ونقبل التحدي.. وقد رددنا عليه سابقا وحقق مقالنا رقما قياسيا في القراءة يدل عليه عدد مرات إعادة نشر المقال من القراء ومن المواقع الأخري نقلا عن " فيتو " وهو مؤشر للموقف من الرجل ومما يقوله!

الآن..وبعيدا عن مدي استيعاب الديب لمفهوم الديمقراطية وتناقضاته فيها..فهو مثلا يهاجم عبد الناصر بسبب الإجراءات الاستثنائية..رغم أنه حدد لمواطنيه النظام السياسي والكل يعرف أنها مرحلة انتقالية حديثة العهد بالعهد الملكي وهي مرحلة تحول اجتماعي كبير تتخلق فيها طبقة وسطي كبيرة وطبقات أخرى..وتنزل من عرش الطبقية طبقات عليا لن تتنازل عن مكاسبها بسهولة وستظل تقاوم فضلا عن إرهاب الإخوان وهو ما تستحيل معه الديمقراطية بشكلها الكلاسيكي المعروف..لكن الديب نفسه - ايوه هو نفسه والله العظيم - وبعدها بدقيقة واحدة يطالب بكل الإجراءات الاستثنائية الآن وفورا ضد الإخوان وكل من يختلف معه في الرأي حتى لو لم يحمل سلاحا لمجرد أنه يري في 25 يناير ثورة !

وبعيدا عن مدهشات الديب..وهي كفيلة بعلاج أمراض كثيرة منها المرارة مثلا إذ بإمكانها أن تتكفل بانفجارها وإراحة صاحبها منها ومن الديب معا..لذا نقول في التحدي الذي طلبه لكن قبل أن نقوله نوضح الفرق بين الرأي والحقيقة..الرأي ملك صاحبه والحقيقة ملك التاريخ والناس ولا يجوز العبث بها والحقيقة عندما تتحول إلى تاريخ لا يجوز المساس بها ولا تكذيبها ولا إنكارها ولا يجوز إلا الحوار حولها..ومثال لذلك..هو ما يتشاجر حوله المصريون الآن..فمبارك مثلا ترك السلطة في الحقيقة..إما تركها بسبب ثورة أو مؤامرة فهو الرأي..ومثال آخر: وقعت مصر مع إسرائيل معاهدة سلام..وهذه حقيقة..لكن هل المعاهدة أفادت مصر أم أضرتها فهنا الرأي..ويكون من العبث والهبل أن يقول أحدهم إن مبارك لازال في السلطة أو أن مصر لم توقع معاهدة سلام..بعد هذه الأمثلة نقول:

من وقائع مجلس ثورة 52 وهي موجوده في المضابط وموجودة في مذكرات الكثيرين وهي مذكرات كتبت بعد رحيل جمال عبد الناصر أن عبد الناصر هو الزعيم الوحيد الذي استقال مرتين الأولى 54 انحيازا للنظام الديمقراطي ورفض مجلس قيادة الثورة واتهمه صلاح سالم بالجنون..والثانية عام 67 متحملا المسئولية وحده محترما في إجلال شعب مصر العظيم وقد رفض الشعب الاستقالة في تمسك بالغ الدلالة !

في العهد الديكتاتوري كما يسمونه لم يعتقل بعد عام 54 كاتب واحد لرأيه..نكرر..لم يعتقل كاتب واحد لرأيه بل ونؤكد أن كتابا مثل أنيس منصور ومصطفى وعلي أمين وصالح جودت وغيرهم وغيرهم بالغوا في مدح عبد الناصر والتقرب إليه إلى حد قرف عبد الناصر نفسه وتفوق في المدح بالمناسبة مصطفى أمين..أما أنيس منصور فمنع من الكتابة ليس لأنه انتقد ناصر..وإنما لأنه أهان شعب مصر ووصف الشعب بما لا يليق في مقال شهير بعنوان "حمار الشيخ العز "!

في عهد عبد الناصر نشر توفيق الحكيم بنك القلق وفيها نقدا بالغا للنظام أثار عبد الحكيم عامر وصلاح نصر وعباس رضوان وزير الداخلية.. وفي عهده كتب هيكل عن "زوار الفجر" وفي عهده عارضه الكاتب الإسلامي الكبير خالد محمد خالد في مناظرة علنية شهيرة وكذلك العالم الجليل الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وكتب ثروت أباظة "شىء من الخوف" وتحولت إلى فيلم وكتب نجبب محفوظ "ثرثرة فوق النيل" وتحولت إلى فيلم وكتب "ميرامار" وتحولت إلى فيلم والأفلام الثلاثة رفضتها الرقابها وأجازها عبد الناصر بنفسه!

في عهد عبد الناصر كتب عبد الرحمن الشرقاوي "الفتي مهران" وتحولت إلى مسرحية بإجازة من عبد الناصر أيضا وكتب سيد قطب كتابه الخطير الأشهر "معالم على الطريق" ورفضته الرقابة وأجازه عبد الناصر أيضا..وفي عهده أحيل مأمور سجن شهير إلى الاستيداع بعد ساعات من مقتل المعارض اليساري شهدي الشافعي..والأهم..ونتحدي من يقول إن أي معتقل لأسباب سياسية أو أي كاتب منع من الكتابة قد توقف مرتبه أو تم التنكيل المادي به أو بأسرته!

ما قلناه سابقا حقائق وليست آراء وسوف نرحب بمن يثبت عكسها..بالحقائق وليس بالفلسفة..الآن..والأهم على الإطلاق..لماذا الآن حلقة الديب ؟ هل لقرب صدور الحكم على مبارك؟ الإجابة: لا..فهذه رؤية قصيرة النظر رغم احترامنا لأصحابها..إنما الأخطر جدا..والأهم جدا..هو ذلك الصراع الذي يدور بين مجموعات واتجاهات مختلفة..حول الرئيس السيسي وعليه..وكل فريق يريد تشويه الآخر والتخلص منه وهو ما يستحق - فيما نري - غدا مقالا مستقلا إن شاء الله !
الجريدة الرسمية