إذا لم تستطع هزيمة عدوك.. فصادقه!!
هذا هو المنطق والفلسفة التي تدين بها أمريكا.. المهم هو مصلحتها، وما الذي يمكن أن تجنيه من وراء العلاقة مع هذه الدولة أو تلك.. لا قيم ولا مبادئ تحكمها.. هي تحرص على أن تكون قوية، أو بالأحرى الأقوى مطلقًا، لكي تفرض مصالحها ومشروعها على الآخرين.. هي تدين بالفلسفة الداروينية التي تقول: البقاء للأقوى.. معروف عنها عدم التزامها بكلمة أو اتفاق أو عهد، وهي على استعداد أن تنقض عهدها في أي لحظة وعند أي منعطف، بل لا تجد حرجًا في التضحية بأصدقائها أو من تدعي أنهم أصدقاؤها.
لذلك عجبت لقيادات جماعة الإخوان كيف سلموا ومازالوا يسلمون قيادهم لأمريكا، مع أنه من الشائع والمعروف لدى الرجل العادي أن "المتغطي بالأمريكان عريان"، لكنه فيما يبدو شبق الوصول إلى السلطة الذي يمنع صاحبه من إدراك الحقائق والبديهيات البسيطة.. نسيت قيادات الجماعة أن أمريكا باعت "مبارك"، رغم الدور الكبير الذي أداه تجاهها، لكن بعد أن أفل نجمه وغربت شمسه وبدا أنه لن يستطيع الوفاء بأكثر مما أداه، تركته غير آسفة ولا محزونة، بل إنها بدأت تنظر في لهفة وشوق لهذا القادم الجديد الذي يمكن أن يلعب دورًا أعظم بالنسبة لها ولمشروعها في المنطقة.
عقب ثورة ٣٠ يونيو، والإطاحة بحكم الإخوان في ٣ يوليو ٢٠١٣، فقدت أمريكا صوابها.. بذلت أقصى ما تستطيع في الضغط على مصر، من مساعدة وتأييد ودعم للعنف والإرهاب والفوضى في محاولة لإسقاط الدولة وانهيارها، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.. سافر الرئيس "السيسي" إلى أمريكا لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم التحذيرات من تعرض الرجل لهجوم... إلا أنه اتخذ قراره بشجاعة.
كان حضوره مهما.. وفى خطابه الذي ألقاه في حضور وفود الدول الأعضاء، بدا "السيسي" متماسكا، واثقا، رابط الجأش، شجاعا، مقتحما.. ومقنعا..وكان مضمون الخطاب شاملا ومتوازنا وحاسما وقويا.. أستطيع القول إن حضور الرجل كسب إلى جانب "الشرعية الداخلية" ووقوف الشعب وراءه، ما يسمى "الشرعية الدولية".. لقد اقتنص إعجاب واحترام الجميع..وبدا أن مصر مقدمة على مكانة جديدة ودور جديد، على المستويين الإقليمي والدولى، بعد تقهقر وتراجع استمر لسنوات..لا يهم ما صدر من "رجب طيب أردوغان" في حق مصر، فهو تصرف صغير، بغض النظر عن عدم لياقته.. كما لا يجب أن نلتفت لهذا الإسفاف الذي واجه وفد الإعلاميين المصريين في مطار JFK الدولى بنيويورك..
أعتقد أنه من الآن، سوف تغير أمريكا دفة توجهاتها تجاه ما حدث في مصر..هناك مشكلات كثيرة، لكن من الواضح أن "السيسي" قادر على قيادة السفينة وسط العواصف والأنواء، الداخلية والخارجية، بكل كفاءة واقتدار..سوف تضطر أمريكا لمصادقة مصر، خاصة أن الظروف الإقليمية ببروز "داعش" وممارساتها وتمددها تدفع في هذا الاتجاه.. صحيح أن "داعش" هي ربيبة المخابرات المركزية الأمريكية، وأن الأخيرة لعبت دورًا في نشأتها وتناميها، لكن وكما يقال: "من ربى أفعى لدغته".. "داعش" الآن أصبحت خطرًا يهدد المنطقة برمتها، وربما يمتد خطرها إلى أمريكا وأوربا ذاتها.. أمريكا تخشى أن يتكرر الحادث المروع في ١١ سبتمبر ٢٠٠١.