مرسى أنا الرئيس!
مثل ملايين المصريين.. انتظرت حوار محمد مرسى مع الزميل عمرو الليثى، ليس من باب التفكه، أو عشقى لفكاهة أو سخرية يذوب فيها المصريون، باعتبار الدكتور محمد مرسى واحدا من أهم الساخرين فى تاريخ مصر، فهو رغم تميز قسمات وجهه بجدية مصطنعة، وملامح حاسمة، بشكل مسرحى عبقرى، لم يكن يضاهيه فيها إلا الراحل العظيم يوسف وهبى، وهو يردد «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم»، إلا أنه واحد من ساخرى مصر العظام، خصوصا عندما يستعيد قدراته الفائقة فى التحدث باللغة الإنجليزية.
ظهر مرسى على المصريين قرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حرصا منه على عدم الظهور، قبل أن ينام أطفال مصر، خشية أن يكون حواره للكبار فقط وقال - لافض فوه ولا فى أبيه- كلاما جميلا ورائعا يشبه أشعار تلاميذ الابتدائى، عندما يتملكهم شيطان الشعر دون دراسة، أو حصيلة لفظية، مثل قول البعض شعرا مؤثرا: «الشمس شمس، والقمر قمر، والأرض أرض، والسماء سماء».
اختار مرسى منذ بداية الحوار مع محدثه عمرو الليثى، أن يمضى فى طريقه إلى قلوب الناس، ممتطيا صهوة مصطلح «كله يحب بعض»، ظانا أن هذا التدافع اللفظى غير المفهوم فى كثير من الأحيان، قد يطعم جائعا أو يغنى فقيرا، وقد بدا واضحا مثل شمس سكنت كبد السماء، ومثل صورة فى تليفزيون (أى إل دى)، ومثل قنبلة غاز تفوح منها رائحة نفاذة أمام قصر الرئيس، لا يمكن لجاحد أن ينكرها كان الرجل حاسما، وقاطعا، وجازما، لا علاقة للفظ بالجزمة المتعارف عليها شعبيا بالحذاء، فى عدة أمور مهمة وعامة وغامة، من الغمام، حيث ارتأى سيادته وبحكم أنه رئيس للجمهورية أن مصر ٩٠ مليونا، وحسم أمر الخلاف حول حبه لمصر أم للجماعة، فقال فى غير موضع: إنه يحب مصر.
ومن المفارقات العجيبة أن الرجل بدا عالما ببواطن الأمور، وظهر للعامة والخاصة أنه عالم جليل زار الدنيا كلها، هكذا قال، وزار بلاد الخواجات ورأى تجارب عظيمة لأمم غيرنا، وتجول فى مصانع.. ورأى أبحاثا هكذا قال أيضا، واطلع على علوم لا نعرفها.. ولا يعرفها إلا من رحم ربى، مثل الدكتور المرحوم بإذن الله محمد مرسى، ووصل إلى نتيجة عظيمة مفادها أن قناة السويس مصرية، أى والله.. وقال بلغة قاطعة إن أهالى سيناء مصريون، أى والختمة الشريفة قال هذا أيضا.
وقال سيادته فى حوار ما بعد منتصف الليل بساعتين، عندما كان الناس نياما:« لم أكن أتصور أن يكون الفساد بهذا القدر»، وقد فهم الناس أن سيادته يقصد ابنه الذى تقرر تعيينه بالقابضة للمطارات بعدة آلاف من الجنيهات، غير أنى أنبه السادة المتآمرين من جبهة الإنقاذ إلى أن الرجل لا يقصد أبدا واقعة ابنه، ولا واقعة ياسر على، ولا واقعة طابا، ولا واقعة توزيع أراضى كفرالشيخ، ولا الاستيلاء على أراضى الدولة.. واسألوا وزارة الزراعة، ولا وقائع تسفير أبناء وزراء إلى المحروسة قطر مقابل……!!
وفاجأ الريس مرسى شعبه بأن قال:«لا يجب أن نضيع أوقات الناس فى كلام فارغ»، ونسى أن الناس أضاعت أكثر من ساعتين فى الاستماع إليه.. ومن رسائله المهمة التى غلبت -وبالضربة القاضية- رسائل البنا، قوله: «رسالة حب للشعب المصرى الصامد، الصابر، الواعى»، وهو بالطبع يقصد الصامد فى مواجهة جماعة فاشية، والصابر على ريس عاجز، والواعى بما يفعله السفهاء فى تاريخه.
وفى إطار «كله يحب بعض»، قال سيادته إن مدن القناة فى القلب، وهذا يعنى أنه تم نقلها من موقعها القديم إلى الأذين الأيمن لقلب مرسى، المقيم فى منزل بالإيجار فى حارة شعبية بالقاهرة الجديدة، ويمتلك سيارة قديمة حسب إيحاء صديقى عمرو الليثى فى نهاية حواره، وفى ذات الحوار أعلن سيادته أنه يحب القوات المسلحة.. ولم يعلن عن تفاصيل هذا الحب، وما إذا كان من طرف واحد، أم أنه تقدم رسميا ليكون هذا الحب فى إطار شرعى، ولم يخبر شعبه متى بدأت عواطفه الجياشة تجاهها، وهل بادلها الحب بحب، أم يظل الأمر رهن صلاة استخارة ستقوم بها القوات المسلحة لإعلان موقفها من تلك العواطف المفاجئة.
وعندما سأله صديقنا عمرو الليثى عن استقالته، أمام المطالبات برحيله، قالها شافية صافية «مستحيل»، وهو المصطلح الذى فسره خبراء فى علم البطاطا، وأنا على رأسهم، بأنه يعنى تظاهروا، تكاثروا، ولعوا فى بعض، فأنا باق.. وعلى الشعب أن يستقيل، ولأن مرسى مواطن بسيط لديه سيارة قديمة متهالكة، وبيت صغير إيجار جديد، وبدلة من صوف المحلة الذى اختفى فى ظروف غامضة، فإنه لم يكن نرجسيا طوال الحوار، ولم يكرر كلمة « أنا»، إلا نحو عشرين مرة فقط لا غير.
أما هؤلاء الذين فهموا إشارات أصبعه يوم خطاب الطوارئ، وفرض حظر التجوال الذى واجهته مدن القناة، التى تقطن قلب مرسى بأغنية «ساعة الحظر ماتتعوضش»، على أنه كان أصبعا فى مواجهة أبناء القناة، فهذا ما لا يقصده مرسى أبدا، فقد كان الرجل يوجه أصبعه لعبده رشاش، وفارس ترامادول، وهشام سنجة، وكل فرق البلطجية فى مصر، ولم يقصد الباشا توجيه ذلك إلى سكان أذينه الأيمن على الإطلاق.
ومن بين مفاجآت الريس مرسى لبسطاء مصر، تأكيده أن أصحاب التكاتك سيصرفون البنزين والسولار بالسعر المدعم، وهو الأمر الذى دفع ملايين التكاتك للخروج فى مظاهرات مؤيدة لسيادته، وهم يرددون «تكاتك تكاتك نموت يا مرسى عشان حياتك»، ولم يكتف بهذا القدر من العطف على فقراء مصر، وعلى تكاتكها، وإنما زاد فى الأمر بأن قال إنه لن يسمح بتوظيف احتياج الشعب بطريقة رخيصة، فى إشارة واضحة إلى هؤلاء الذين يشترون أصوات الناخبين بزجاجة زيت، واثنين ترامادول، وواحدة فياجرا، مؤكدا فى الوقت ذاته -ودون أن يذكر ذلك صراحة- أنه لا يجب أن نستغل حاجة الناس بالزيت والسكر والصابون فقط!!
واختتم حواره بقول عظيم، لم يكن للعامة علم به، عندما قال إن قطر دولة عربية شقيقة، فى حين أن البعض كان يلتبس عليه الأمر، ويعتقد أن قطر دولة صهيونية شقيقة أيضا، حيث عرف عن أميرها دعمه لبناء المستوطنات، وعرف عنه أيضا دعمه لابن عمه بنيامين نتنياهو فى الانتخابات الماضية، وعرف عن قادة قطر استثمارهم لأموالهم فى تل أبيب، كما شهدت السيدة ليفنى، بأنها صديقة مقربة من حرم أمير قطر باعتبارهما ولاد حارة واحدة.
ولم يتوقف الريس مرسى عن مفاجآته المدوية التى تدفع ملايين البشر لانتظار خطاباته، وحواراته، عندما قال: «إحنا رجلينا وجلدنا تخين»، وهو بالطبع يقصد هو وجماعته التى ينتمى إليها، ولا يمكن أن يكون قاصداً، بقوله «الشعب المصرى»، فالجلد التخين، واحدة من سمات جماعة الريس، كما أعلن سيادته، والشاهد على ذلك السيد عمرو الليثى والحوار مسجل صوتا وصورة، ولا يمكن إنكاره.
وأخيرا سأله عمرو: هل بكيت فى يوم من الأيام؟
لم يكن عمرو بحاجة إلى إجابة، فالرجل الذى أبكى مصر كلها، لابد أن يبكى حتى ولو من الفرحة، بقدراته الخارقة، على زرع دمعة فى بيوت لا عدد ولا حصر لها.. ألم يقتل أتباعه شبابا مثل الورد، أمام قصره، وعلى مرأى ومسمع منه.. ألم تقتل الشرطة آخرين ؟ ألم تسحل أجهزته المواطنين على الهواء مباشرة ؟… الخ.
وقبل أن انتهى من رؤيتى حول حوار الريس مرسى، والذى خرج بأعجوبة أقول إذا كان رئيس الجمهورية لم يستطع أن يخرج لنا حواره التليفزيونى إلا بعد موعده بست ساعات فهل هو قادر على إخراج مصر مما هى فيه ؟!!