رئيس التحرير
عصام كامل

هونج كونج


احتفظ إقليم "هونج كونج" الذي ينتمي إلى الصين ويتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي لنفسه ولسنوات بمكانة اقتصادية عالمية كبيرة ويعتبر من أوائل المراكز المالية في العالم، ويمتلك اقتصاد رأس مالي ضخم، يختلف تماما عن الاقتصاد الصيني، وذلك وفقا لمبدأ "دولة واحدة ونظامين" الذي نصت عليه الاتفاقية الموقعة بين الصين وبريطانيا والذي بمقتضاها أنهت بريطانيا احتلالها للإقليم في يوليو 1997 بعد أن استمر لمدة 156 عاما.


وحسب تلك الاتفاقية فإنه من المقرر أن تجري انتخابات مباشرة لاختيار حاكم الإقليم في عام 2017، بعد أن كان يتم اختياره من جانب ما يعرف بـ "اللجنة التنفيذية" الموالية للحكومة الصينية المركزية، غير أن بكين أصدرت قانونا جديدا يقيد الاختيار المباشر لحاكم الإقليم، مشترطا موافقة نفس اللجنة التنفيذية على المرشحين، وهو ما اعتبره البعض هناك ردة على الحريات والحقوق، وخطوة يمكن أن تتبعها خطوات أخرى من جانب الحكومة المركزية لتقليل أو القضاء على ما يتمتع به الإقليم من حريات وحقوق.. وخرجوا بالآلاف للحفاظ على الحقوق والحريات والديمقراطية.. ولكنهم في نفس الوقت لقنوا العالم عددا من الدروس:

أولا: أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أمور لا يمكن للمجتمعات بأي حال من الأحوال التفريط فيها أو المقايضة عليها تحت أي ظرف أو مبرر.. ومهما وصلت إليه تلك المجتمعات من مستوى اقتصادي واجتماعي ارتفاعا أو انخفاضا.. فالمجتمعات التي تتمتع بقدر من الكياسة والفطنة تؤمن بأن الحياة كطائر ذي جناحين أحدهما يمثل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والآخر يمثل الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وأن الطائر الذي يحيا بجناح واحد غالبا ما يكون عمره قصيرا..

ثانيا: أن المواطنين وهم يطالبون بحقوقهم السياسية والإنسانية الطبيعية لا يجب أن يكون ذلك على حساب الأوضاع الاقتصادية، إذ لم يسجل أي حالات لأعمال تخريب أو تحطيم أو تشويه أو إحراق للمؤسسات أو الممتلكات العامة أو الخاصة، ادراكا من المواطن أنه المالك الفعلي والمتضرر الأول من تلك الأفعال.. وهو اسمى تعبير عن الانتماء للوطن الذي لا يكون بالأغاني والاحتفالات والشعارات الجوفاء التي لا تعدو كونها متاجرة رخيصة بالوطنية، وانما الانتماء يكون بالأفعال.. وحتى يشعر المواطن بالانتماء فلابد أولا بأن يشعر أنه "إنسان ذو قيمة".

ثالثا: لم تكن الاحتجاجات حركة غوغائية، وإنما من الواضح أن من أداروا هذه الاحتجاجات يدركون جيدا ما يريدون، والخطوات التي ينبغي عليهم اتخاذها لتحقيق اراداتهم، والتوقيت المناسب لكل خطوة من تلك الخطوات، والبدائل المتاحة لكل منها، لذا فقد استمرت الاحتجاجات الصاخبة لمدة نحو أسبوع واحد فقط، وصلت الرسالة خلالها إلى السلطات الحاكمة، وأدرك العالم فحواها، ومن ثم شرعت قيادات الاحتجاجات في إجراء مفاوضات مع السلطات المعنية بعد تخفيف حدة الاحتجاجات، لكن دون إخلاء ساحة الاحتجاج بالكامل.. وهم يدركون مسبقا أنهم سيحصلون على كامل مطالبهم أو النصيب الأكبر منها، استنادا إلى الظرف الدولي الذي يمر به العالم والتغيرات والتفاعلات السياسية التي يشهدها المجتمع الدولي، والتخطيط والاعداد المحكم والمدروس لكل خطوة، ووجود قيادات ذي كفاءة مؤهلة ومستعدة للتفاوض.

رابعا: الدرس الأهم وهو قدرة السلطات الأمنية في هونج كونج على احتواء الاحتجاجات وعدم التصعيد باثارة غضب الجماهير وحنقهم، بعدم اللجوء للعنف المفرط وقوة البطش التي اعتادت عليها كثير من الأنظمة السياسية في مواجهة الاحتجاجات والمطالب الشعبية وفتح قنوات اتصال معهم، وذلك استنادا إلى ما استوعبوه من تجارب دول الربيع العربية.. هي تجاربنا ولكننا كالعادة وللأسف الشديد لم نتعلم منها شيئا..
الجريدة الرسمية