رئيس التحرير
عصام كامل

«الجزيرة 2».. المؤلف لم يشاهد الجزء الأول من الفيلم

فيتو

الجزيرة 2
أحمد السقا "منصور الحفنى"
هند صبرى "كريمة"
خالد صالح "الشيخ جعفر"
خالد الصاوى "اللواء رشدى"
نضال الشافعى "فضل"
أروى جودة "صفية"
أحمد مالك "على منصور الحفنى"
تأليف: محمد دياب، خالد دياب وشيرين دياب
إخراج: شريف عرفة



يتنافس خلال موسم عيد الأضحى هذا العام 8 أفلام، ولكن الجميع يركز على فيلم واحد فقط، وهو "الجزيرة 2"، لعدة أسباب، أهمها أن الفيلم يجمع عددا كبيرا من الأسماء الرنانة في الوسط السينمائى، كما أن الجمهور يريد أن يرى آخر الأدوار التي قدمها الراحل العبقرى خالد صالح، أضف إلى ذلك كم التشويق والإثارة الذي انتهى عليه الجزء الأول من الفيلم بعد هروب "منصور الحفنى" من أمام دار القضاء أثناء ترحيله، وذلك عقب حدوث تبادل لإطلاق النار بين عدة أطراف، وعلى قدر الموهبة يكون النقد، فمؤلف موهوب ومتميز مثل محمد دياب، لم يكن من الطبيعى أن يقع فى أخطاء مثل التى وقع فيها فى هذا الفيلم، وبالرغم من أن أشقائه خالد وشيرين شاركوه كتابة هذا الفيلم، إلا أنه يتحمل المسئولية وحده، لأنه صاحب الجزء الأول الذى خرج فى أبهى وأجمل صورة ممكنة، وبالتالى كان لابد أن يكون أحرص الناس على خروج الجزء الثانى بشكل أفضل من الأول، والذى يعتبر أحد أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية، وقبل الحديث عن الجزء الثانى يجب الإشارة إلى عدة نقاط خاصة بالجزء الأول:

- ولد "منصور الحفنى" عام 1977 
- وأصبح الكبير عام 2007 وتزوج بـ"فايقة" التي قامت بدورها "زينة"
- ولد "على" ابن "منصور الحفنى" عام 2008
- قضى "منصور الحفنى" على الجزيرة 10 سنوات بعدما سيطر عليها بمساعدة المطاريد وكبيرهم "الريس جمعة"
- أصبحت الجزيرة خالية من الإرهاب وتجارة السلاح والمخدرات بعد القبض على "منصور الحفنى"
- العميد رشدى متزوج بأخت الضابط "طارق فؤاد" الذي قام بدوره محمود عبد المغنى، وابن اللواء "فؤاد" الذي قام بدوره عبد الرحمن أبو زهرة.. وتمت ترقية العميد "رشدى" إلى لواء في الجزء الثانى من الفيلم
- الضابط طارق تم نقله إلى "الجزيرة" ليخدم بها بناء على طلبه


تواريخ


مع بداية الجزء الثانى من فيلم "الجزيرة" يؤكد المؤلف محمد دياب أن أحداث هذا الجزء تقع في الفترة من بداية عام 2011، وحتى منتصف عام 2012، وهنا يجب أن نتوقف قليلًا، فالمؤلف الشاب الذي بدأ القصة عام 2007 وأكد خلال أحداث الجزء الأول أن منصور الحفنى تم القبض عليه بعد 10 سنوات، كان من المفترض أن يبدأ سنوات هذا الفيلم على الأقل عام 2017، وفقًا للترتيب الزمنى للأحداث، ولكن هذا لم يحدث، ولكن انتظر فالأسوأ لم يأت بعد، فأحمد السقا قد دخل السجن وترك ابنه "على" وهو طفل في نحو العاشرة من عمره، لنجد فجأة أن "على" أصبح في عام 2011 في عمر السادسة عشرة أو السابعة عشرة، الطفل الذي ولد عام 2008 أصبح في عام 2011 صاحب الـ16 عامًا، كما أن "كريمة" أصبحت ابنة اثنين وأربعين عامًا في عام 2011، وهى كانت ابنة العشرينات في الجزء الأول، ولا نعرف كيف كبرت بهذا الشكل السريع في ثلاث سنوات.

لكن لحظة واحدة، بعد عدة مشاهد ستكتشف أن هند صبرى حكمت "الجزيرة" لمدة عشر سنوات، وهو ما يعنى أن "منصور الحفنى" ظل يحاكم لمدة عشر سنوات، قبل أن يحكم عليه بالإعدام، إذن فعمر هند صبرى صاحبة الـ 42 عامًا صحيح، لكن إذا كان هذا المقياس فمن المفترض أن يكون عمر "على" أكثر من 20 عامًا، وأن تكون الأحداث عام 2027، وأن يكون عمر "منصور الحفنى"، الذي ولد عام 1977، 50 عامًا بالتمام والكمال، ولكن "منصور" ظهر كشاب في أوائل الأربعينات، حتى أن شعره لم تكن به خصلات بيضاء، وكان يتحرك ويقاتل كشاب في الثلاثينات.

بداية سيئة "استغلال ثورة يناير"

مع بداية الجزء الثانى يقتل المؤلف محمد دياب عامل الإثارة التي ختم بها الجزء الأول، فالمشاهد دخل الفيلم متوقعًا أن تكون البداية مثيرة ومشوقة بالكشف عن طريقة هروب "منصور الحفنى" ومعرفة الجهات التي وقفت وراء هروبه، وماذا يخطط له، ولكنه يكتشف أن "الكبير" ما زال في السجن ويرتدى بذلة الإعدام الحمرء، وأنه سيعدم بعد أيام قليلة، لكن تشاء الأقدار أن تقوم ثورة يناير، ويتم اقتحام السجون ويهرب "منصور الحفنى" هو و"الريس جمعة"، فيما يتم قتل باقى المطاريد داخل السجن، وهو ما يوضح أن المؤلف قام بإقحام الثورة ضمن أحداث العمل واستغلالها وتطويعها بما يتناسب مع أغراض المؤلف وليس بما يخدم السيناريو.. والغريب في الأمر أن محمد دياب كان ينوى كتابة الجزء الثانى من الفيلم قبل قيام الثورة، وبالتالى فهو كانت لديه بداية مختلفة وأحداث أخرى، وقام بتغييرها بعد قيام الثورة، وهو ما يوضح أن القصة تعرضت للتشويه وهى في رأس المؤلف قبل أن تخرج على الورق.

كما تكتشف في مشاهد أخرى أنه استغل الثورة بشكل غير منطقى في أكثر من مشهد، منها اقتحام "منصور الحفنى" مديرية الأمن وسط رجاله بالسلاح مطالبين بالتفاوض مع اللواء رشدى، والداخلية تعلم أن "الكبير" هو من يقف في وسط المديرية برجاله وترفض القبض عليهم، كما يتكرر المشهد بذهاب "منصور الحفنى" للواء "رشدى" أمام المديرية مرة أخرى دون خوف، وكأنه "رايح الملاهى".

عودة غير منطقية

يعود "منصور الحفنى" للجزيرة دون أي حماية، ومعه ابنه وأخوه والريس جمعة فقط، فقد تصاعدت الأمور بشكل غير متوازن، وبالرغم من أن له ثأرا مع كثيرين في الجزيرة إلا أنه لم يتعرض للأذى، ويعيش في حماية "الرحايبة" أهل زوجته المتوفية، الذين أكد المؤلف محمد دياب، فى الجزء الأول، أنهم "خلصوا ومفضلش منهم إلا الحريم"، كما قال "عواد" لـ "الضابط طارق" أثناء تجوله في الجزيرة، ولكننا نكتشف في الجزء الثانى أن لديهم رجالا وأنهم قادرون على حماية "منصور الحفنى".

وظهر في الجزيرة صراع ثلاثى جديد بين "الرحايبة" و"النجايحة"، والوافدين الجدد "الرحالة"، الذين استخدمهم المؤلف للإشارة إلى الجهاديين، وظهور شخصيات ليس لها أبعاد ولا خلفيات في السيناريو، ولم يشر المؤلف إلى كيفية قدوم الرحالة إلى الجزيرة، ولماذا جاءوا إلى هذه المنطقة بالذات وكيف سمح لهم أهل الجزيرة بالعيش بجانبهم بالرغم من معرفتهم بأطماعهم، ولا كيف تركتهم الحكومة طوال السنوات الماضية بالرغم من تجارتهم في السلاح، على الرغم من أن المؤلف أشار في نهاية الجزء الأول إلى خلو الجزيرة من السلاح والمخدرات والإرهاب، فكان الأولى به أن يوضح كيف عادت هذه الأشياء للظهور بالجزيرة مرة أخرى.

اختفاء غير مبرر

اختفى دور الضابط "طارق" في الجزء الثانى من العمل، بالرغم من أنه كان أكثر الشخصيات التي يجب ظهورها، سيدى القارئ لقد أشرنا في أول الكلام، إذا تذكرت، إلى أن اللواء "رشدى" متزوج بشقيقة "طارق"، ولك أن تتخيل أن اللواء رشدى تم تفجير سيارة زوجته وأولاده أمام مديرية الأمن أثناء انتظارهم له، ليقرر اللواء أن يستقيل من الداخلية ويأخذ حق زوجته، وتجد أن اثنين من زملائه يحصلان على إجازة ويذهبان معه للجزيرة لمساعدته، دون أن يكون لزوج أخته أي دور، وكأن تلك التي ماتت لا تمت له بأى صلة.

إضافة إلى أن قضية صناعة الداخلية لتجار السلاح والمخدرات في الصعيد كان قضية أساسية في الجزء الأول، ورغبة الضابط "طارق" في كشفها استمرت حتى المشهد الأخير من الجزء الأول، بالرغم من أنه كان سيكشف والده وزوج أخته وسيورطهما في مشاكل، إلا أن الجزء الثانى من الفيلم لم يتعرض للقضية، واكتفى بالإشارة إلى أن طريقة تعامل الداخلية قد تغيرت، كما أن "طارق" كان يخدم في الجزيرة، لكن جاء الجزء الثانى دون الإشارة إلى تركه الجزيرة من عدمه، ولا كيفية وأسباب خروجه منها.

الكبيرة


في مجتمع صعيدى متشدد لم يكن من الطبيعى أن يقبل رجال الجزيرة أن تكون هند صبرى هي الكبيرة الحاكمة للجزيرة، فإذا كان ولابد أن يكون الكبير من عائلة "النجايحة" فإن شقيقها الآخر ما زال على قيد الحياة، كما أن هناك رجالا آخرين من عائلات "النجايحة" و"الرحايبة" على قيد الحياة، ولن يقبلوا بها أن تكون كبيرة عليهم، ولكن السيناريو سهل الأمر وكأنه أمر طبيعى، كما تم تجاهل وصف حال الجزيرة على مدى 10 أعوام، وكيفية وصول "كريمة" إلى أن تكون كبيرة الجزيرة، وهل واجهت صراعات أم لا، واكتفى بالإشارة إلى أن أهل الجزيرة يعانون الفقر فقط.


عدسة ضيقة

على عكس الجزء الأول، كانت عدسة المخرج شريف عرفة ضيقة، ولم يهتم بإظهار التفاصيل كما حدث في الجزء الأول، حيث تم عمل "زووم" على الأماكن والوجوه في أوقات كان الجمهور في أمس الحاجة لرؤية تفاصيل أكثر، منها أول مشاهد الفيلم وقت اقتحام السجن، فلم يظهر المخرج تفاصيل السجن جيدًا، واكتفى بعدسة ضيقة أظهرت الأماكن غير واضحة المعالم، وربما تكون القدرة الإنتاجية هي السبب في ذلك، بسبب عدم رغبة المنتج في بناء ديكورات كثيرة لاستغلالها في مشاهد بسيطة، كما أنه لم يهتم بإظهار تفاصيل الجزيرة بعد مرور 10 سنوات عليها كما حدث في الجزء الأول، عندما تعرف الجمهور على الجزيرة وأهلها من خلال عدسة المخرج الواسعة والتي كانت تطوف أرجاء الجزيرة لتبين أرضها وناسها وسوقها والكثير من تفاصيل في نفس المشهد.

ولكن كل ذلك لم يؤثر على جودة الفيلم، فخرج الفيلم من الناحية الإخراجية رائعاً، إذا تغضينا عن تلك الملاحظة.

نهاية غير منطقية

في النهاية يعلم الجميع أن "الرحالة" هم سبب خراب الجزيرة، وعليهم مواجهتهم بعد أن ارتكبوا مذبحة بشرية في أهل القرية أثناء زفاف كبيرهم "الشيخ جعفر"، على "كريمة"، والتي تركها أثناء الزفاف ليعطى الأمر لرجاله بالقضاء على جميع من يوجد في الفرح، وفى معركة غير متكافئة وغير منطقية، نجد أن "منصور الحفنى"، "رشدى" واثنين من مساعديه، "الريس جمعة"، "على منصور الحفنى"، بالإضافة إلى أشخاص آخرين معدودين، يهاجمون "الرحالة" في الجبل، وعندما تنظر إلى سلاح الرحالة الذي يبدأ من الرشاشات الآلية وصولًا إلى الصواريخ، تجد أن المعركة محسومة، فـ "الرحالة" عددهم عشرة أضعاف المهاجمين لهم، وسلاحهم يفوق سلاح أهل القرية بمراحل كثيرة، لتجد في النهاية أن الرحالة يهربون ويتركون سلاحهم لأهل القرية، وانتصارهم على الرحالة.

والمثير في الأمر أن الرحالة وصلوا إلى هذه المكانة دون أي تدخل من أجهزة الدولة، التي كانت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة في الجزء الأول، وحتى وإن كان الانفلات الأمني بعد الثورة هو السبب، فإن الرحالة تواجدوا على الجزيرة من عشرة أعوام، وبنوا ترسانة أسلحتهم خلال تلك الفترة، وكان الضابط "طارق" يؤدى خدمته في الجزيرة خلال تلك الفترة وهو معروف عنه عدم مهادنته للمجرمين، غير أن الرحالة سيطروا على الجزيرة وارتكبوا بها مجازر، كل ذلك دون أن يتحرك عسكري واحد من الداخلية التي كانت طرفا أساسيا في الحرب في الجزء الأول.

ولكن على كلاً فإن الفيلم جيد جداً إذا ما تم إعتباره فيلم مستقل بذاته، بعيداً عن كونه مرتبطاً بالجزء الأول، فكل الأخطاء التى توجد بالجزء الثانى سببها الربط بين الجزءين، ولكن على كلاً فالمؤلف محمد دياب متميز وصاحب رؤية مختلفة، وننتظر منه أعمالاً أخرى رائعة.

كان هذا فيما يخص السيناريو والإخراج، ولنا لقاء آخر مع أبطال العمل، 
الجريدة الرسمية