رئيس التحرير
عصام كامل

سلامة أحمد سلامة يكتب: اليابان.. مرشحة للمعقد السادس الدائم

الكاتب أحمد سلامة
الكاتب أحمد سلامة

لم يكن محض صدفة أومجرد خاطر سياسي فلسفى، ذلك الاقتراح الذي تقدم به هنرى كيسنجر في أول خطاب يلقيه كوزير للخارجية الأمريكية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: أن تقبل اليابان عضوا دائما في مجلس الأمن، وبعبارة أخرى ضمها والاعتراف بها في نادي الكبار أو نادي الستة بدلًا من الخمسة الكبار إن صح هذا التعبير.


كيسنجر ألقى فكرته هذه ومضى، مشيرًا إليها في عبارة واحدة دون أن يفيض في شرح الأسباب أو المؤهلات التي من أجلها ترشح اليابان للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. وعلى الرغم من أن مثل هذا التطور قد يستغرق وقتا طويلا قبل تعقبه، إذ يتطلب تعديلات في ميثاق الأمم المتحدة لابد أن توافق عليه أغلبية الثلثين، ولابد قبل ذلك من أن تقره الدول الخمس الكبرى على اختلاف مصالحها وسياستها، إلا أنه يعكس في النهاية ظاهرة جديدة، هي أعراض تحول العملاق الاقتصادى اليابانى إلى عملاق سياسي.. وهى الظاهرة التي تنبأ بها كثير من المعلقين السياسيين.
ولا شك أن طرح هذه الفكرة لم يتم دون استثماره وتنسيق مسبق مع اليابان.

ومما يثير الانتباه أن يتوافق طرح هذه الفكرة مع تحركات يابانية واسعة النطاق، ظهرت في الرحلة التي يقوم بها كاكاوى تاناكا -رئيس وزراء اليابان- إلى عواصم فرنسا وبريطانيا والمانيا الغربية، ليختتمها بزيارة للاتحاد السوفييتى ولقاء مع برجينيف. وقبل ذلك رحلته إلى واشنطن في أغسطس الماضى ولقاؤه مع الرئيس نيكسون.
ولقد مرت السياسة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية بمراحل:
- في الخمسينيات، استغرقت اليابان نفسها في عملية إعادة بناء نفسها سياسيا وصناعيا واقتصاديا تحت حماية المظلة الأمريكية.
- وفى الستينيات انصرفت اليابان إلى مضاعفة دخلها القومى والخروج إلى الأسواق العالمية بمنتجات أذهلت العالم، والدخول في منافسة خطيرة مع دول صناعية متقدمة بل مع أمريكا نفسها.

- ومع بداية السبعينيات صحت اليابان على المرحلة الثالثة.. استيقظت على صدمات نيكسون المتتالية في اعادة ترتيب أولويات السياسة الأمريكية مع الصين ومع الاتحاد السوفيتى، لتدرك أن السياسة اليابانية لابد أن تخرج من مرحلة الانغلاق على التغيير إلى مرحلة الانفتاح، وممارسة سياسة يابانية، تستجيب أولا لمطالب القفزة اليابانية الهائلة داخليا وخارجيا.. داخليا من مجتمع ضحى حتى الآن بمطالب الفرد الاجتماعية في سبيل دخل قومى متصاعد. وخارجيا في سبيل تأمين موارد مستمرة من المواد الخام التي تعتمد عليها الحياة الاقتصادية في اليابان اعتمادًا شبه مطلق.
ولكن الواضح تماما أن اليابان قد نجحت في أن تنتزع بقوتها الاقتصادية اعترافا من جميع أطراف المثلث الدولى المسيطر على القمة «أو المربع الدولى إن شئنا إدخال أوربا الغربية في اعتبارنا» بحقها في أن تحتل مكانا ممتازا عند القمة - وكما نرى فإن أطراف المثلث هي التي تفسح لها اليوم مكانا تدعوها إلى مثله.

- هذه الدعوة الأمريكية إلى أن تحتل اليابان مقعدا دائما في مجلس الأمن، وأن تلعب دورًا سياسيًا في ميثاق جديد لحلف الاطلنطى.. تخفى وراءها رغبة أمريكية في أن تتحمل اليابان بعض الاعباء الإستراتيجية والعسكرية للسياسة الأمريكية في آسيا وجنوب شرقى آسيا.
فإن حاجة السياسة الأمريكية إلى تنسيق مع حليف قوى في المنطقة، يزداد شدة مع تعقيد الموقف في هذه المنطقة وتضارب التيارات والمصالح فيها.
ولكن السؤال هو: هل تختار السياسة اليابانية هذا الطريق لتسلكه على النحو الذي تريده الولايات المتحدة؟ أم أن الوعى السياسي لليابان بذاتيتها وشخصيتها وتاريخها سوف يفض بالسياسة اليابانية - حتى وأن أنهت جزءا من الطريق إلى هذه السياسة - إلى موقف متمايز.

- وعلى الجانب الآخر يقدم الاتحاد السوفيتى - بطريقته أيضا - مكانا بارزًا للسياسة اليابانية كى تأخذ مكانها في تشكيل السياسات الآسيوية والعالمية.. حيث يبدى الاتحاد السوفييتى استعداده للدخول في مباحثات حول تلبية الرغبة اليابانية القديمة والملحة في استعادة الجزر الصغيرة الأربع التي احتلها الاتحاد السوفييتى منذ عام 5491، وهى اشراك اليابان في الحصول على احتياجاتها من الطاقة من سيبيريا، وذلك مقابل شيئين - ولابد دائمًا من مقابل - أحدهما ضمان تأييد اليابان في إقامة نظام للأمن الجماعى في آسيا على غرار نظام الأمن الأوربي وثانيهما الحصول على الاستثمارات المالية والفنية عن اليابان من استغلال الموارد الخام هي سيبيريا.
ومن الملاحظ أن النجاح الذي أحرزته السياسة السوفييتية في أوربا حتى الآن، قد يغريها بانتهاج نفس النمط في آسيا لضمان الأمر الواقع فيها.

ولكن السؤال - مرة أخرى - هو: هل تكفى العروض السوفييتية لاغراء اليابان على السير في هذا الاتجاه؟ وهل تجد اليابان نفسها في هذه الحالة وقد اكتسبت عداء الصين، التي تقاوم أي نظام للأمن الجماعى في آسيا على النحو الذي يريده الاتحاد السوفييتى؟
- وتبقى الصين بعد ذلك نقطة جذب ثالثة وقوية بالنسبة لاتجاهات السياسات اليابانية.. فالعلاقات التجارية والتاريخية والتشابه القوى الذي يربط بين الشعبين من نبع حضارى من التقاليد المشتركة والنبض النقى المتقارب، فضلا عما تقدمه احتمالات التعاون مع الصين كدولة نامية.
برغم كل التقدم الذي حققه وبرغم الابعاد الإستراتيجية التي اكتسبتها اليابان كدولة صناعية متقدمة تحتاج إلى المواد الخام والأسواق الرحبة في الصين.

ولكن السؤال - مرة ثالثة - هو إلى مدى تستطيع السياسة اليابانية وكذا السياسة الصينية أن تتحرر من رواسب العداء القديم! وإذا استطاعت، فهل بإمكان السياسة اليابانية أن تجد مخرجا من الحرج الذي يمكن أن تقع فيه بين الصين والاتحاد السوفييتى؟
وليس يمكن - في المستقبل القريب - التنبؤ بما يمكن أن تنتهى إليه تلك المعادلات الصعبة في السياسة اليابانية لمصدر صعوبتها أنها تتشكل ببطء وحذر شديدين وقد تستغرق وقتا طويلا قبل أن تخرج على المسرح الدولى في صورة محددة أو في خطر واضح المعالم غير أن مرحلة ولادة اليابان كعملاق سياسي قد بدأت على أي الأحوال.
الجريدة الرسمية