رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.."باروخ مزراحي" يهودي مصري جنده الموساد لجمع المعلومات عن مصر والدول العربية.. المخابرات المصرية ألقت القبض عليه في اليمن.. تم تسليمه لإسرائيل مقابل 65 في صفقة تبادل للأسرى

فيتو

لم تكن ظاهرة الجواسيس ظاهرة عرضية في الصراع بين مصر وإسرائيل، فالأخيرة لم تكف منذ نشأتها عن دس جواسيسها داخل البلد التي خاضت معها العديد من الحروب كلما أتيحت لها الفرصة، ومن بين هؤلاء الجواسيس "باروخ مزراحي" الذي تتناول "فيتو" قصة تجسسه ونجاح المخابرات المصرية في اصطياده.


"باروخ مزراحي" يهودي من أصل مصري ولد في حي الأزهر عام 1928، وأنهى دراسته في كلية التجارة بجامعة القاهرة عام 1948.

عمل "مزراحى" مدرسًا، في مدرسة الأقباط الكبرى الثانوية، لتدريس اللغة الفرنسية، وكان عمله ينتهي فيها في الرابعة عصرًا، ويعمل حتى المساء في شركة سمسرة، تحمل اسم دانيال نبياه وشركاه وأصبح باروخ موظفًا ثريًا.

لوعة الحب
أحب في هذه الفترة فتاة فاتنة طلب منها الزواج لكنها رفضت ؛ لأن عائلتها كلها قررت الهجرة إلى إسرائيل، حاول إقناعها بالبقاء في مصر مشيرًا إلى أن كليهما يتمتع بوظيفة ممتازة، ووضع مالي جيد ولكنها تشبثت برأيها، وحسمت الأمر بأن الوسيلة الوحيدة هي أن يهاجر هو أيضًا إلى إسرائيل، أو يفترقان تمامًا.

وتحت ضغط الهوي والحب، أقنع باروخ أمه بالهجرة إلى إسرائيل، هناك، راحت الصدمات تتوالي.. كانت الصدمة الأولى هي أنه سينتقل مع أمه، للعيش في مستعمرة "معجان ميخائيل" حيث تعمل أمه في حياكة الملابس، ويعمل هو فلاحًا أجيرًا.. والصدمة الثانية هي أن حياته في أرض الميعاد، لن تساوي ذرة من حياته في مصر، إذ يكفيه أجره بالكاد.

ثم عمل بعد ذلك رجل شرطة، بأجر ضئيل، واضطر للعيش في مسكن مشترك، مع يهودي شرقي آخر، وعانى من سوء معاملته، باعتباره أحد يهود الإشكنزيم، ثم عمل بعد ذلك ضابطًا في المخابرات الإسرائيلية.

بداية الجاسوسية
ذات يوم، استدعاه رئيسه، وقال له في لهجة آمرة حازمة: إنه رشحه لعمل مهم، وطلب منه أن يذهب غدًا إلى مكتب المخابرات، ويقابل رئيسه حايم أيدولوفيتش.. ومن هنا كانت البداية.. لقد التقى في الصباح التالي مدير مكتب المخابرات المحلي البولندي الأصل الذي تفحصه بنظرات سريعة، ثم أبلغه بأنه تم تعيينه في جهاز المخابرات الإسرائيلي، وأسند إليه مهمة مراقبة نشاط بعض الشيوعيين، في قلب إسرائيل.. وانغمس باروخ فجأة في هذا العالم.

تقارير بالغة الخطورة
كان يغمر رئيسه بتقاريره بالغة الخطورة عن نشاط الشيوعيين في إسرائيل ويتقاضى مكافآت سخية مقابل هذا، وبرع في عمله كثيرًا، وبدأ خطوته الثانية في عالم المخابرات، وسافر إلى هولندا، وهناك أقام علاقات جيدة مع المصريين المقيمين في العاصمة الهولندية، ونشطت علاقته بهم، وجمع قدرًا كبيرًا من المعلومات، جعله يؤكّد أن مستوى الوعي الأمني عند العرب منخفض للغاية، فما إن يبدأ الحديث مع أحدهم، حول موضوع ما، حتى ينطلق مثرثرًا، ويروي كل ما لديه عنه، مهما بلغت سرية الأمر.

نجاح مهمة هولندا
وبعد النجاح الساحق لمهمته في هولندا عاد باروخ إلى تل أبيب، ولم تمض فترة قصيرة حتى استدعاه مديره مرة أخرى، وقال في لهجة تشف عن أهمية الأمر وخطورته: إن المصريين ضربوا إحدى السفن الإسرائيلية، أمام باب المندب، وهذا ما دفعهم إلى أن يسندوا إليه مهمة بالغة الخطورة، يعلقون آمالًا كبيرة على نجاحه فيها، وأن رئيسة الوزراء شخصيًا، شديدة الاهتمام بما سيحققه فيها؛ إذ سيسافر أولًا إلى عدن ثم اليمن الشمالية وبعدها إلى دولة الإمارات.. ويريدونه أن يجمع أكبر قدر من المعلومات عن هذه البلاد، ويتابع نشاط منظمة التحرير الفلسطينية فيها، ويريدون أن يعرفوا بالتحديد، هل يتدرب الفدائيون هناك على ضرب ناقلات البترول الإسرائيلية في البحر الأحمر أم لا؟

ألقى المصريون القبض على الجاسوس الصهيوني "باروخ مزراحي" بعد أن اعتقلوه في اليمن، وعرفوا أنه أحد كبار ضباط الموساد..يعمل في وحدة "مسادا" -وحدة العمليات الخاصة- أرفع وحدات الجهاز وأكثرها تدريبا واطلاعا على الأسرار الدفينة.

اعتصار مزراحي 
وفي مقر المخابرات العامة جرت عملية اعتصار "مزراحي" حتى نزف بكل المعلومات التي في حوزته والتي اطلع عليها بحكم عمله. وتحت ضغط التحقيقات المهنية حصل المصريون على خريطة طريق تفصيلية توضح أساليب العمل والتجنيد التي تتبعها وحدة "مسادا"..كيف يزرعون جواسيسهم في الدولة الهدف.

استلم رجال المخابرات المصرية في تبادل للأسرى بـ مزراحى، 65 فدائيا فلسطينيا من سكان الضفة، والقطاع، في عملية اعترف الناطق بلسان جيش الاحتلال: "أنهم نفذوا عمليات فدائية، وأنشطة تجسس في غاية الخطورة لصالح المصريين".

أهم جاسوسين
لكن ما لم يذكره البيان العسكري الصهيوني، وظل سرا لم يعلنه الجانب المصري الذي يفضل الكتمان وعدم التفاخر بإنجازاته، أن ضباط المخابرات العامة استلموا كذلك اثنين من أهم جواسيسنا، أو قل "رجالنا في تل أبيب". "عبد الرحمن قرمان"، و"توفيق فايد البطاح". اللذين يعترف كتاب "الجواسيس" الصادر في إسرائيل أنهما أكبر دليل على الفساد والفوضى في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، والنجاح في المخابرات العامة المصرية.

مصير محتوم
قتل الكولونيل "مزراحى" خلال عملية إطلاق نار على خلفية أمنية قرب الخليل، حيث كان يشغل منصب رئيس قسم ً التكنولوجيات بشعبة التنصتات والتعقبات "السيجنت" التابعة لهيئة التحقيقات والاستخبارات القطرية ومقرها بقياده شرطة إسرائيل بالقدس، وذلك عن عمر يناهز 47 عاما.
الجريدة الرسمية