الداخلية والإرهاب والتظاهر
انتهى الحوار حول تعديل قانون التظاهر إلى الاعتذار عن تعديله، ما نشر يقول إنه حدث انقسام داخل مجلس الوزراء حول المسألة، وما نشر أيضًا يقول إن تقرير وزارة الداخلية عن الموضوع أفاد بتعذر ذلك، بل نتائجه الوخيمة على الاستقرار لأن إطلاق سراح خمسين ألف "إخواني" من السجون التي وضعوا فيها بمقتضى هذا القانون سيجعلهم يلجئون إلى العنف بعد خروجهم وتهديد الاستقرار تهديدا كبيرا.
وسواء كان ما نشر صحيحا كله أو بعضه أو غير صحيح على الإطلاق فالمؤكد أن تعديل القانون أمر انتهى بالسلب، والمؤكد أن وزارة الداخلية كان لها رأي في المسألة وربما معها وزارات أخرى مما يقال إنها سيادية، والسؤال القديم يعود الآن لماذا تكون وزارة الداخلية مرجعا سياسيا ؟ ومتى كانت في مرجعيتها السياسية مفيدة للنظام الحاكم ؟ أو حتى مفيدة لنفسها، الهوة ازدادت بين نظام مبارك والشعب بسبب المرجعية السياسية لوزارة الداخلية، وعودة هذه المرجعية مرة أخرى في شئون الحياة العادية تعود بالأمور إلى سيرتها الأولى.
أسهل شيء على وزارة الداخلية أن تمنع من المنبع ولا يهمها أن ينفجر الإناء بما فيه بعد ذلك، التفكير الأمني لا يمكن أن يصل إلى المعنى الاجتماعي لعودة الآلاف إلى بيوتهم، وكيف أن الأمر سيتغير إلى حد كبير، وكيف أن الشعب نفسه سيكون فاعلا رئيسيا في التصدي لأي تظاهرة مسلحة إذا كانت هناك تظاهرات مسلحة، والأهم من قال إن الخمسين ألفًا أو الأربعين في بعض الأقوال كلهم من الإخوان وكلهم كانوا مسلحين.
القريب والبعيد يعرف أن من بينهم الآلاف ليسوا إخوانا ولا مسلحين، وأيضًا لم يكن الكثير من الإخوان يحملون سلاحًا في كل التظاهرات، فنحن نراها في الفضائيات ونراها في الأزقة، ونرى كيف يتم إنهاؤها بقوة، ثم إن صغار السن من هؤلاء المحبوسين وهم بالآلاف وبينهم أطفال وطلاب لهم أسر لاشك كان سيكون لها رأي إيجابي في الإفراج عن أولادهم.
بل على العكس كان تعديل قانون التظاهر بحيث يسمح بالتظاهر؛ لأنه حق إنساني راسخ أكبر إضافة لرصيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأتخيل كلمة منه بعد تعديل القانون كان سيكون أثرها الإيجابي في الشعب.
الآن للأسف سيظل تعديل القانون هدفا وسيظل السجال الفكري وسيظل الضغط العصبي مولدا للعنف، هذا القانون لم يمنع التظاهر بل يدفع المتظاهرين من البداية إلى البحث عن طريق لمواجهة الشرطة التي لن تحميهم بل ستفرقهم بالعنف وستقبض على من يقع في أيديها منهم، وأي شخص يسأل نفسه هل أوقف القانون التظاهر حقا ؟ والإجابة لا.
القانون مستمر بحجة الإرهاب والإرهاب معروف شكله ومضمونه ولم يتوقف لأنه في وجود القانون أو عدمه هو إرهاب قذر، إذن سيستمر الوضع ملغوما بالتوتر والعنف مهما بدا أنه قل لأن الثمن المدفوع كبير جدا وفيه كثير جدًا جدًا من الظلم، الرهان على الاستقرار ليس بالمنع لكن بفتح القنوات الطبيعية تمشي فيها المياه الغاضبة حتى تهدأ، للأسف عودة وزارة الداخلية لتكون مرجعا في إصدار القوانين يعني كالعادة أنها تأخذ بالأسهل.
والأسهل لم يكن يوما إلا ظلما، والظلم لم يولد الاستقرار، تظاهرات سلمية لن تحتاج لكل هؤلاء الجنود ولا كل هذه القنابل والخرطوش وسيتفرغ الجنود والضباط إلى الأمن الجنائي والى الإرهاب الحقيقي ولن نجد قصورًا يصل إلى حد تكرار هرب المحبوسين من أقسام الشرطة.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com