رئيس التحرير
عصام كامل

حجوا كما يحجون


إن الله جل جلاله لم يفرض الفرائض والعبادات لتؤدى كحركات ونسك، وإنما فرضها لتهذيب الأرواح وتقويمها، وتربية الأنفس وإصلاحها، فكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، رُب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب.


وقد فضل الله جل شأنه وعظم سلطانه بعض الأيام على بعض.. وبعض الأعمال على بعض.. وجعل فريضة الحج هي الشعيرة الأعظم.. وجعل الأيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة هي الأفضل عما سواها.. ولا خير فينا إن لم نستفد بهذه الأيام وهذه الشعائر وما فيها من تجليات عظيمة في إصلاح أنفسنا وتغيير ما بها من شطط واعوجاج عسى الله أن يغير ما نحن عليه..

وما أحوجنا وأحوج أوطاننا في أن نحج جميعا كما يحج من لبوا نداء الله فجاءوا من كل فج عميق ليذكروا الله وليشهدوا منافع لهم.. فتعالوا إذا ما خلع حجاج بيت الله ملابس دنياهم واستبدلوها بملابس الإحرام.. أن نخلع جميعا ما بنا من اتباع لهوى مضل أو نفس أمارة بالسوء.. أن نخلع جميعا رداء الفرقة والانقسام والتشرذم والكراهية والغل والحسد والشح ونستبدله بلباس الوحدة والألفة والتعاون والتسامح والتقوى ذلك خير..

تعالوا إذا ما لبى الحجيج قائلين "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك"، أن نلبي معهم هذا النداء فيكون لا إله إلا الله بحق.. لا هوى.. لا مصالح.. لا جماعات أو أحزاب أو أشخاص.. يكون ايماننا بالله وحده ثم بهذا الوطن..

تعالوا إذا ما طاف الحجاج بالبيت الحرام أو سعوا بين الصفا والمروة، أن نسعى جميعا في حقول العمل على اختلافها بجد واجتهاد وإخلاص ومثابرة لنحقق الهدف الأسمى من استخلاف الله لنا في أرضه وهي عبادته وإعمار الكون.. ولتكن قناعتنا أنه لا يليق بخير أمة أخرجت للناس أن نكون عالة على الآخرين أينما توجه لا تأتي بخير.

تعالوا إذا ما احتشد الحجيج على صعيد عرفات الطاهر يسألون الله من فضله ويدعونه في أمور دينهم ودنياهم.. أن نحتشد جميعا ونتقارب ونتمسك بوحدتنا وبأوطاننا وننبذ خلافاتنا فإنها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحالقة لا تحلق الشعر وإنما تحلق الدين.

ولنشاركهم الابتهال والدعاء إلى الله بأن يحفظ مصر من شر الأشرار.. ومن كيد الفجار.. ومن شر ما تعاقب عليه الليل والنهار.. اللهم احفظ مصر من حسد الحاسدين.. ومن كيد الكائدين.. ومن شماتة الشامتين.. ومن فساد الفاسدين.. اللهم من أراد مصر بسوء فرد كيده في نحره.. اللهم افضح سريرته.. اللهم لا ترفع له راية.. واجعله لمن خلفه عبرة وآية.. اللهم من أراد مصر بسوء فمزق ملكه.. وفرق جمعه.. وشتت شمله..

تعالوا إذا ما رجم زوار بيت الله ابليس الرجيم.. لنرجم جميعا شيطان آنفسنا حتى لا يضلنا ضلال بعيد.. تعالوا إذا ما نحر حجاج الله الذبائح.. لننحر جميعا خلافاتنا وانقساماتنا وأطماعنا وشح أنفسنا.. تعالوا نتحلل معهم مما نحن فيه.. لنعود بهذا الوطن من جديد.. وطنا قويا.. موحدا.. قادرا على تحقيق طموحات وأحلام شعبه في أن يحيا حياة كريمة كما أرادها الله له..
ولنتذكر جميعا ما أكده رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في خطبة الوداع، "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".
الجريدة الرسمية