رئيس التحرير
عصام كامل

"فيتو" ترصد معاناة المسافرين بـ"قطر الغلابة".. الجلوس على كرسي حلم ممنوع وغياب الأمن والإسعافات.. المواقد قنابل موقوتة والروائح الكريهة تزكم الأنوف.. المواويل التسلية الوحيدة.. القطار يتحول لسوق شاملة

فيتو

في السابعة صباح كل يوم، تدوى صافراته معلنة عن قدومه، إنه قطار الغلابة المتجه إلى الصعيد، يتهيأ الجميع لاقتناص اللحظة للفوز بموطئ قدم له، يبدأ الجميع في الاقتراب من رصيف القطار الذي اصطفوا حوله قبل الوقت بساعة بعضهم يستمع لمواويل ياسين التهامى ومكرم المنياوى، لعلهم يجدون في ذلك النوع تنفيسًا لهم عن الهموم التي يعانونها طوال اليوم.


هناك ترى رجلا يحمل حقيبته الخاصة بينما تنادى أم على ولدها للركوب فيما يضع أحد الرجال طرف جلبابه في فمه استعدادًا للانطلاق.

مزحوم يا قطر الغلابة هذا هو حال قطار الصعيد الذي يخرج من محطة رمسيس في اتجاه الصعيد في الساعة السابعة من صباح كل يوم لينقل آلافًا من المواطنين ينحشرون بداخله نظرًا لرخص تذكرته أو بالأدق لأنه القطار الوحيد المجانى في سكك حديد مصر كما قرر ذلك المواطنون.

في رحلة داخل القطار رصد فيها محررو "فيتو"، كيف تكون الرحلة في تلك الأيام التي تشهد إقبالا كثيفًا في القطارات العادية فما بال قطار الصعيد المزحوم طوال أيام السنة.

استعدادات الساعة
تبدأ الاستعدادات قبل قدوم القطار بساعة، يجلس المسافرون على المقاعد المخصصة لهم وبعضهم يجلس على الأرض يستمع إلى الأغانى حتى لحظة الوصول لينقضوا بعدها من الأبواب والمنافذ في القطار الذي اكتظ بالمسافرين في مدة لا تتجاوز نصف الساعة على الأكثر.

سوق مفتوحة 
تبدأ المعاناة بداية من وقوفك داخل القطار إن كنت من المحظوظين الذين وجدوا موطئ قدم فالكثير لا يحظون بتلك النعمة، لتفاجأ بوجود سوق شاملة داخل القطار من بائعى الشاى والملابس والسندوتشات التي تحظى بإقبال كبير بين الركاب خاصة في ظل رخص سعرها وانتشار مندوبي الشركات لبيع كل شيء.

اشتباكات بالأيدي
يمر الوقت ويبدأ الضيق باديًا على وجوه الناس من الزحام والاحتكاك، ويصل القطار إلى محطة الجيزة لتظن أن العدد يقل ليخيب ظنك بأن الأعداد تتزايد ليبدأ بعدها الزحام وتبدأ المشادات الكلامية التي تصل في بعض الأحيان إلى اشتباكات بالأيدى وهى أمور اعتاد عليها المسافرون في هذا القطار يوميًا، حتى إنك تجد رجلًا يصرخ "هو مش كل يوم"، يحدث هذا في الوقت الذي تنتشر فيه الروائح الكريهة من حمامات القطار التي تستقبل أكثر من فرد في آن واحد وهو ما يتسبب في حالات من الإغماء اعتاد عليها ركاب القطار فداخل قطار الغلابة لا مجال للرفاهية.

غش وسرقة
ورغم تلك الأعداد الكبيرة والاشتباكات اليومية والروائح الكريهة التي ينتج عنها بعض الإغماءات، بالإضافة إلى عمليات السرقة التي تحدث عادة في هذا الزحام وبيع المياه العادية كأنها مياه معدنية وتباع الزجاجة بجنيه واحد، وبرغم وجود بائعى الشاى يحملون إسطوانات الغاز الصغيرة المعرضة للانفجار في أي وقت، فإن القطار يخلو من أي تواجد أمني أو إسعاف أو حتى إسطوانة إطفاء يستخدمها الركاب في حالة حدوث حريق وهو ما ينذر بكارثة في حالة حدوث حريق صغير مع عدم وجود أدنى حد من الخدمات.
 
ياسين التهامى

لا شيء قادر على تهوين ذلك المشوار وتلك الروائح الكريهة سوى هذا الصوت الجميل الذي يأتيك من آخر عربة لشاب في العقد الثانى من عمره يشدو ببعض الأغانى التي لا تجدها إلا في القطارات؛ مثل مواويل الصعيد وتواشيح ياسين التهامى، و"يا مقبل على الصعيد"، وهو ما يلقى إجابة من بعض المسافرين الذين يرددون تلك الأغانى التي يجدون فيها تعبيرًا عنهم. 

انتهاء الرحلة
تنتهى رحلة قطار الصعيد في أسيوط وبعضها في سوهاج وتتكرر المأساة يوميًا، ولا أحد يشعر بهم وهم لا يصرخون ربما اكتفوا من الدنيا بقطار مجاني، وأغانٍ تلهيهم وروائح كريهة اعتادوا عليها وحالات إغماء، بعيدًا عن الإسعاف والأمن.
الجريدة الرسمية