رئيس التحرير
عصام كامل

محافظون و وزراء آخر زمن


جلس المحافظ متوترًا.. تحاصره الأفكار من هنا ومن هناك ومن الناحية الثالثة.. يفكر مليًا فيما يمكن أن يصنعه بعد أن حقق من الإنجازات ما لم يحققه سابقوه، فهو قد زرع أكثر من عشر شجيرات هنا وهناك.. ورفع أكثر من تل قمامة من النوع الأصيل.. وتجول في أكثر من خمسة شوارع ورصف حارة منسية من حارات الغلابة.. ويجلس على مكتبه الفخم ساعات طوال يتناول الشاي والقهوة مرارًا وتكرارًا دون كلل أو ملل.


كان صوت التليفون يحاصر تفكيره.. لا يعرف كيف يفكر بعمق.. مدير مكتبه يقاطع تأمله فيما يمكن أن يصنعه.. أغلق على نفسه الباب.. رفع سماعة التليفون وغاص في تفكير عميق.. هداه تفكيره إلى ضالته المنشودة وأمسك بقلمه وبدأ يخط على ورقة بيضاء من غير سوء.. كتب الآتى:

«السيد الأستاذ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. تحية طيبة وبعد.. مقدمه أنا المستشار مجدى البتيتى محافظ بني سويف، أعلن عن رغبتي في إنشاء محطة إذاعية للمحافظة طالبًا منكم العون وذلك حتى نواجه الحملات الإعلامية المضللة، ونذيع من خلالها إنجازاتي أنا المستشار مجدي البتيتي، إضافة إلى أننا يمكن أن نستخدمها في مواجهة التطرف والإرهاب الأعمى».. وأنهى خطابه بالتمنيات الحلوة لرئيس الاتحاد أخونا عصام الأمير.

والمحافظ محق فيما ذهب إليه، فهو قد يستقل يومًا بمحافظته ولا تكفيه إذاعة شمال الصعيد ولا القناة السابعة التي تغطى الإقليم المكون من الفيوم وبني سويف والمنيا..
هذه هي أول لقطة من لقطات «محافظين ووزراء آخر زمن»!!

اللقطة الثانية:
جلس المحافظ متوترا.. تحاصره الأفكار من هنا ومن هناك ومن الزاوية الرابعة.. يفكر مليا فيما يمكن أن يصنعه بعد أن تنامى إلى علمه أن إحدى شركات السياحة ستزور المحافظة غدًا لتسليم السيدة زينب المتبرعة بقرطها الذهبى لصندوق تحيا مصر.. جواز سفرها ومصاريف الحج التي أرسلها لها الرئيس وعدًا منه بأن تحج على نفقته الخاصة.

المحافظ يفكر جديا في استثمار الحدث.. صوت تليفون يقطع عليه حبل أفكاره.. يسأل المحيطين فيما يمكن أن يفعل.. المحيطون بسيادته أفكارهم قديمة للغاية وغير صالحة للاستهلاك العصرى.. أغلق على نفسه الباب.. رفع سماعة التليفون.. غاص بناظريه في النافذة المواجهة له.. هداه تفكيره إلى ما هو أبعد من أفكار التقليديين المحيطين به.

أصدر أوامره العليا بطباعة بانر ضخم عليه صورتان.. صورته بنفس حجم صورة الرئيس ليضعها خلفه عند تسليم الست زينب مهمات سفرها حتى يصوره الإعلام كجزء من المشهد الخيري الذي وعد به السيسي.. في اليوم التالي وصل الإعلام بكاميراته ومصوريه ينقلون وقائع سفر المواطنة البسيطة التي تبرعت بما تملك، فكان الله أكرم منها بأن جعل الرئيس سببا في حجها.. اختفت السيدة البسيطة وظهر السيد المحافظ بطلا مغوارًا فسرق اللقطة من المواطنة، وأصبح هو حديث الناس.. يتندرون بإنجازاته في طباعة البانر واختيار الصورة ووضعها في مكان بارز لا يمكن أن تخطئه الكاميرات.

اللقطة الثالثة:
جلس الوزير متوترا.. تحاصره الأفكار من هنا ومن هناك ومن الزاوية السابعة، يفكر مليا فيما يمكن أن يصنعه خاصة وأنه سيلتقي الرئيس في عيد العلم وسيصبح جزءًا من الصورة المهمة.. أغلق بابه ورفع سماعة التليفون وأمر محاصريه بالهدوء حتى يزرع فكرة ينال بها استحسان الرئيس.. قرأ الأوراق التي أمامه.. كان مطلوبًا منه بعض المعلومات الدقيقة حول التعليم في مصر والأرقام هزيلة لا تنبئ عن مفاجأة.

تصور الوزير أن ما سيقوله هو جزء من المقدسات التي لا تُراجع.. كتب للرئيس أن الوزارة قبل عهده الميمون كانت تبنى مائة وخمسين مدرسة سنويًا، فماذا لو كتب للرئيس أن الوزارة استطاعت أن تبنى ألفًا ومائة وخمسين مدرسة هذا العام.. نعم كتب هذا وقرأه الرئيس وأشار إلى أن مصدر المعلومة هو الوزير.

لم يفكر الوزير في الرقم الذي كتبه، وأنه يعني أن وزارته كانت تبني خلال هذا العام أربع مدارس يوميا.. نعم أربع مدارس يوميا.. لم يفكر في الطوب والأسمنت والحديد والعمالة والشركات والأبواب والشبابيك والبلاط ودورات المياه والتخت والكراسى وقبل هذا وذاك لم يفكر في عدد الأجراس !!

قرأ الرئيس معلومة الوزير وتهلل وجه الوزير، وظن أن الأمر سيمر مرور اللئام دون أن يفكر كريم واحد فيما طرحه الوزير من رقم أقل ما يوصف به أنه «كاذب وفشار».. الرقم وليس الوزير حتى لا ندخل السجن في وزير دخول السجن فيه شرف.
الجريدة الرسمية