رئيس التحرير
عصام كامل

الربيع العربى والمرأة


سمعت، والعهدة على الراوى، أن مغتربا راجع موظفة كبيرة بمنزلة وكيل وزارة فى العراق، أنجزت له مهمته ثم طلبت منه هذا الرجاء، أن يتزوجها ورقيا بما يمكنها من العودة معه ودخول السويد والإقامة فيها، ومن الأردن سمعت بامرأة تجرى كل يوم فى طرقات عمان ومقاهيها كمن مسها الجن، تتوسل لأى مغترب تصادفه أن يأخذها معه إلى حيث يقيم فى أوربا. وهنا فى لندن التقيت أكثر من فتاة عربية أنهت دراستها وقررت عدم العودة لوطنها. «أرجوك دبّر لى طريقة تمكنى من البقاء هنا»، الحقيقة أننى التقيت مؤخرا عددا من الخريجات اللواتى يعزمن على عدم الرجوع لبلدهن.

هذه ظاهرة تثير التفكير، كيف أن موظفة كبيرة بمنزلة وكيلة وزير تفضل العيش كلاجئة فى الغرب على العيش بمثل هذا المنصب الراقى فى وطن كالعراق؟ من الواضح أن البطالة والأحوال السائدة فى عالمنا أخذت تدفع المتعلمين للتفكير فى الهجرة، بيد أن المتعلمات أخذن يشعرن بهذا الدافع لسبب إضافى آخر، وهو صعوبات التعايش مع الأنظمة الإسلاموية التى تمخض عنها الربيع العربى والانتخابات البرلمانية. فهذه الهجمة الإسلاموية على حقوق المرأة وحريتها جعلتها تفكر فى الهروب من وطأة هذه الأنظمة.
سبق لى أن ذكرت أن الطبقة المتوسطة التى تتكون من المتعلمين والخريجين تصبو لحياة بهيجة حرة قوامها على الأغلب صنوف العيش المعاصر فى الغرب، ومنها الاختلاط بين الجنسين والاستمتاع بأنماط الحياة المعاصرة من موسيقى وفنون وحرية السفر وممارسة الرياضات المختلفة كالسباحة وركوب الخيل والدراجات... إلخ. كان كل ذلك شائعا فى دول الربيع العربى.
ترى المرأة العراقية على صفحات المجلات والصحف وشاشات التلفزيون والكمبيوتر والسينما، كيف تعيش مثيلاتها فى الغرب وينعمن بمثل هذه الحياة، ولا بد أن تشعر بالأسف والأسى على حياتها وما تعانيه فيها من حرمان. يتفاقم هذا الشعور فى الدول التى اختلت فيها النسبة بين الذكور والإناث، كالعراق، حيث تعذر حتى الزواج على كثير منهن، وتبدأ المرأة فى آخر المطاف بالتفكير بالنزوح إلى الخارج. من لم تتمكن من ذلك، راحت تسعى لإرسال أبنائها وبناتها للنشوء فى الغرب.
سيؤدى ذلك إلى نزيف خطير فى الأدمغة العربية، يسعى بعض المتشددين لمعالجة ذلك بإعادة تثقيف الأولاد أو بعبارة أخرى بغسل دماغ النشء الجديد.
لا أريد أن أناقش جدوى هذه الدعوة أو حكمتها، فقد يكون لها ما يبررها نفسيا فى بلاد غارقة فى بطالة وفقر يصعب أو يتعذر الخلاص منهما، بيد أن هذه الوصفة تتطلب مدة طويلة لتأتى بأكلها.
الجريدة الرسمية