القضاء على القضاء
لا يظن أحدكم أن جماعة الإخوان تؤمن بما نؤمن به، بل هي ومنذ أن أنشأها حسن البنا تؤمن بأشياء باطنية تخفيها عن كل العيون، ومن أفكارها الأساسية "القضاء على القضاء" أما ما مارسته من قتل للمستشار لخازندار، ومحاولة تفجير محكمة مصر عام 1949، ومحاولة اغتيال المستشار محمود المورلي التي حدثت منذ أيام وأسفرت عن مصرع ابنه الشاب الصغير، فقد كانت شكلا من أشكال التعبير عن رفضها للنظام القضائي بأكمله، وقد قادتها تلك العقلية إلى محاولة هدم القضاء والانقضاض على ثوابته عندما وصلت للحكم.
وكانت عقيدتها التي حركتها هي أن القضاء في ظنها لا يحكم بشريعة الله، فحاكت الجماعة المؤامرات ضد تلك المؤسسة العريقة، وفي طريقهم لإحكام السيطرة التامة على البلاد بدأت تداعبهم فكرة تغيير النظام القضائي بأكمله، لذلك طرح بعض قادة الإخوان فكرة إنشاء هيئة دينية تُشكل من علماء الدين يكون لها الحق في الرقابة على القوانين التي تخرج من البرلمان، لتوافق عليها إذا كانت متفقة مع "أحكام الشريعة" أو ترفضها إذا خالفت، وكان رجال القضاء بشبابهم الفتي المتوثب وشيوخهم الأفذاذ هم أول من وقفوا ضد هذه الفكرة التي من شأنها أن تجعل من مصر دولة دينية بالمفهوم الثيوقراطي القديم.
ولكن عجلة الإخوان لم تتوقف، لذلك ومنذ اليوم الأول لوجود محمد مرسي على سدة الحكم، وهو يبحث عن طريقة للسيطرة على القضاء إلى حين تغيير نظامه بالكامل، ساعتئذ صيغ للرئيس الإخواني قرار مفجع يترتب عليه إلغاء أثر حكم المحكمة الدستورية الذي قضى بعدم دستورية قانون الانتخابات البرلمانية، بما يترتب عليه من بطلان المجلس ووجوب حله، ومن بعده توالت القرارات الرئاسية والإعلانات الدستورية التي كانت بمثابة انقلاب على المنظومة القضائية الحديثة.
ولأن القضاء عبر تاريخه كان هو قائد الأمة في الملمات والشدائد؛ لذلك وقف رجالٌ من رموزه ـ تدعمهم وتشد من أزرهم جموعٌ لا متناهية من القضاة ـ يقودون ثورة شعب ضد حكم جماعة كان من شأنها تحطيم كل مؤسسات الدولة بل هدم الدولة بأسرها، والحق أن الأمة كلها كانت ترنو للقضاء آنذاك، تستمد منه القوة والعزيمة على مواجهة "جماعة جاءت من زمن سحيق لتهدم أمة بكاملها" فهدمها القضاء المصري ولا فخر.