رئيس التحرير
عصام كامل

الإفتاء: الانتماء للتنظيمات الإرهابية المسلحة ودعمها "حرام شرعًا".. الجهاد شُرع لدفع العدوان ورفع الطغيان.. لا يعلن إلا تحت "راية الدولة".. وتهجير المسيحيين "ضد الإسلام"

 دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

أكدت دار الإفتاء المصرية، أن الانتماء إلى التنظيمات المسلحة ودعمها، حرام شرعًا، مؤكدة أنها تسعى لدمار البلاد والعباد، وتشوه صورة الإسلام بأفعالهم الوحشية، التي يتبرأ منها الإسلام والمسلمون والفطرة الإنسانية.


تشويه الدين الإسلامى

وأضافت دار الإفتاء في فتوى لها اليوم الخميس،:"أن مثل هذه التنظيمات بفكرها المتطرف، قد ضللت الكثير من الشباب الذين تم التغرير بهم تحت اسم الدين والجهاد، وتحت اسم الدولة الإسلامية، بينما هي في الحقيقة محاولة لتشويه الدين وتدمير البلاد وسفك دم العباد، بعد أن ضلوا في استنباط الأدلّة الشرعية، وانجرفوا في فهمهم للآيات والأحاديث، فهم يلوون عنق النصوص لكي يبرروا مواقفهم وأفعالهم الدموية المتطرفة، ولا يتورعون عن التجرؤ على دماء الخلق، واستصدار الفتاوى الشاذة المنكرة لصالح منهجهم التكفيري الذي يعيثون به في الأرض فسادًا".

مخالفة الشريعة

وأوضحت الفتوى:" أن تلك التنظيمات بأفعالهم يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ، ويخالفون قواعد الفتوى المعتبرة من الدراية التامة بالعلوم الشرعية والواقع المعيش، لكي يتمكنوا من استنباط الأحكام الصحيحة، فيعمدون إلى الاستدلال بآية أو بمقتطف من آية دون إحاطةٍ بكل ما جاء في الكتاب والسنة عن الموضوع، ويحملون آيات القرآن الكريم ما لا تحتمل، فينسبون أحكامها زورًا وبهتانً وجهلا إلى الإسلام، وبذلك يصدق فيهم قول الله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ".

جرم المتطرفين

وأكدت:"أن الحرمة التي يقع فيها أولئك المتطرفون بسبب جرمهم وإيذائهم وسفكهم للدماء، تنسحب هذه الحرمة، وذلك الجرم أيضا على كل من يدعم هذه الجماعات بالمال أو الإيواء أو بالكلمة، بل يطردون من رحمة الله، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ ولو بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله"".

الجهاد تحت راية الدولة

وأشارت الفتوى إلى أن الجهاد لابد أن يكون تحت راية الدولة، لافتا إلى أنه يعود أمر تنظيمه، إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة، الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد، وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارات المصيرية، حيث ينظرون في مدى الضرورة التي تدعو إليه من صد عدوان أو دَفع طغيان، فيكون قرارهم مدروسا دراسة صحيحة، فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها الحكمة أو زمام التعقل.

الجهاد عبر جماعات وتنظيمات

وأكدت الدار أنه لا يجوز لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه عبر جماعات أو تنظيمات مسلحة، دون مراعاة تلك الضوابط والشروط، مضيفة:" وإلا عُدَّ ذلك افتئاتًا على ولاة الأمور، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه، فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد، ولو كُلِّف مجموعٌ الناس بالخروج فُرادَى من غير استنفارهم مِن قِبَل ولي الأمر، لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، وقد قال تعالى ﴿وما كانَ المُؤمِنونَ ليَنفِروا كافَّةً﴾، مع ما في هذا التصرف مِن التَّقَحُّم في الهلكة دون مكسب مذكور للجماعة المسلمة، وإهمال العواقب والمآلات، والتسبب في تكالب الأمم على المسلمين، وإبادة خضرائهم، والولوج في الفتن العمياء والنزاعات المهلكة بين المسلمين، والتي تفرزها قرارات القتال الفردية الهوجائية هذه؛ ومن المعلوم شرعًا وعقلًا، وواقعًا أن التشتت وانعدام الراية يُفقِد القتال نظامه من ناحية، ويُذهِب قِيَمَه ونُبلَه ويشوش على شرف غايته من ناحية أخرى".

تنظيم "الدولة الإسلامية"

وأشارت دار الإفتاء في فتواها إلى أن ما تقوم به التنظيمات الإرهابية مثل من يسمون أنفسهم كذبًا بـ "الدولة الإسلامية"، وغيرها، من قتل للرجال والنساء وترويع للآمنين وتدمير للممتلكات العامة والخاصة ونهبها، لا يمت للإسلام بصلة، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية حرمت في حالة الحرب مع العدو غير المسلم قتل النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين، والظلم والجور، وتخريب العمران، وقطع الأشجار، بل حرمت قتل الدواب، فما بالنا بالمسلمين.

وأضافت:" أن الشريعة حرمت كذلك ما يظهر الإسلام بمظهر سيئ وينفر الناس منه ومن أخلاق أتباعه، لما في ذلك من صد عن سبيل الله بعكس المراد من الجهاد، فلقد روى أبو داود عن رباح بن ربيع قال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال انظر علام اجتمع هؤلاء، فجاء فقال على امرأة قتيل، فقال ما كانت هذه لتقاتل، قال وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا فقال قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفًا، والعسيف هو الأجير الذي لا علاقة له بالقتال".

تهجير المسيحيين 

وحول تهجير التنظيمات المسلحة للمسيحيين وغير المسلمين، وإجبارهم على الدخول في الإسلام، أكدت دار الإفتاء في فتواها أن الإسلام دين التعايش، ومبادئه لا تعرف الإكراه، ولا تقر العنف، ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان، في آيات كثيرة نص فيها الشرع على حرية الديانة؛ كقوله تعالى ﴿ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾، وقوله سبحانه ﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾، وقال جل شأنه ﴿لكم دينكم ولي دين﴾، وهم بذلك يخالفون الإسلام، وما جاء به سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – الذي نهى عن قتلهم بل أمر بإكرامهم وجعل لهم حق الجوار، وهم لم يرفعوا سلاحًا ضد المسلمين بل يتعايشون مع المسلمين في سلام وأمان، قال تعالى ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين).

ممارسة الشعائر بدور العبادة

وتابعت الفتوى:"أنه لما ترك الإسلام الناس على أديانهم فقد سمح لهم بممارسة شعائر أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأولى بها عناية خاصة؛ فحرم الاعتداء بكافة أشكاله عليها. فقد قال أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – في وصيته لجيوشه لا تؤذوا راهبا أو عابدا ولا تهدموا معبدا أو صومعة، بل إن القرآن الكريم جعل تغلب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم في الأرض سببًا في حفظ دور العبادة من الهدم، وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها، وذلك في قوله تعالى ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور﴾.

ولفتت الدار إلى أن قيام هذه الجماعات الإرهابية بهذه الأفعال البغيضة والجرائم الشنيعة، قد أضر بالإسلام والمسلمين، حيث شوهوا صورة الإسلام الصافية النقية في الداخل والخارج وصوروه بأنه دين عنف وقتل، في حين أن الإسلام دين رحمة وسلام.
الجريدة الرسمية