محاولة لحل ألغاز داعش والحرب السورية!
أقام المركز العربى للبحوث، ندوة علمية عن "داعش" شارك فيها مجموعة متميزة من الخبراء في محاولة لحل ألغاز حكاية داعش!
وظهور الدولة الإسلامية في سوريا والعراق التي يرمز لها بداعش آخر المستجدات في الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط التي يحوطها الغموض، ولا تستطيع -حتى لو كنت خبيرًا استراتيجيًا- أن تجمع كل الخيوط المتشابكة بحيث تعرف من مع من ومن ضد من؟ ومن ناحية أخرى تحديد وزن القوى الدولية في الصراع ووزن الدول الإقليمية.
وأبرز مثال على هذه الصراعات الملتبسة هي الحرب الدامية في سوريا، حيث تعددت الأطراف الدولية الداخلة فيها، واختلطت الأوراق بحيث أصبح من الصعب للغاية تكوين صورة دقيقة لطبيعة الصراع وأطرافه وأصعب من ذلك التنبؤ بمآله!
وفى محاولة منى لفهم هذا الموضوع المعقد الذي حارت فيه البرية لجأت إلى شبكة الإنترنت وأنا خبير في فنون البحث فيها، وزرت موقعًا من أهم المواقع الاستراتيجية في العالم وهو موقع مؤسسة راند الأمريكية.
وهذه المؤسسة البحثية العريقة أنشأها سلاح الجو الأمريكى منذ أكثر من نصف قرن لتكون مركزًا بحثيًا له، ولكن سرعان ما تحولت المؤسسة لتصبح مركزًا استراتيجيًا من "أهم المراكز التي تبحث في كل الموضوعات الإنسانية بلا استثناء.
واطلعت على تقرير بالغ الأهمية عنوانه: "ديناميات الحرب الأهلية في سوريا" كتبه برديان مايكل جنكيز ولخص هذا الباحث الألمعى الموقف في الحرب السورية في عدد من المقولات الأساسية التي تضيء بشكل عميق عتمة هذا الموضوع المعقد، وهذه هي المقولات الأساسية:
1- خوفًا من فرار جنود الجيش يعتمد "بشار الأسد" أساسًا على وحدات النخبة العلوية وقوة النيران المهولة.
2- الميليشيات التابعة للنظام مقدر لها أن تلعب دورًا أساسيًا في الصراع.
3- المؤيدون "لبشار الأسد" يفعلون ذلك لتحقيق مصالحهم أساسًا.
4- استعداد "الأسد" لتسليم أسلحته الكيمائية لن تنهى الصراع، كما أنها لن تضعف نظامه.
5- لا يمكن سحق الثوار ولكنهم يعتمدون على الأطراف الأخرى لإسقاط "الأسد".
6- من المنتظر أن يسيطر الإسلاميون المتشددون على الثورة.
7- في غياب استفزاز كبير للغرب فإن العسكرية الغربية لن تتدخل في الصراع.
8- التيارات الطائفية التحتية التي قسمت البلاد أصبحت هي المرض الرئيسى في الصراع السورى، وهى التي تمنع من حله.
9- المؤسسات القومية السورية تتهاوى وحلت محلها الولاءات المحلية والأجنبية.
10- ليس هناك احتمال للوصول إلى حل سياسي.
11- الحرب السورية قد يتسع نطاقها لتتحول إلى حرب إقليمية.
12- الإرهابيون الأجانب الذين توجهوا إلى سوريا للاشتراك في الصراع يضعون مشكلة دولية كبرى تمثل تهديدًا إرهابيًا.
13- سوريا ينتظرها مستقبل أسود.
هذا هو التشخيص الذي توصل إليه مايكل جيكتر.
ومن الواضح أن مفردات هذا التشريح الدقيق للحرب الأهلية في سوريا لا يبشر بأى خير لا لسوريا ولا للبلاد العربية ولا للعالم!
والواقع أن الضرر الذي لحق بالدولة السورية وبالمجتمع السورى من الصعب للغاية تلافى آثاره المدمرة.
فقد أصبحت للطائفية الكلمة العليا من ناحية، وصار للقوى الإقليمية والأجنبية دور أساسى في عملية صنع القرار، مما يعنى أن الدولة السورية قد فقدت سيادتها وأن هذا الوضع سيستمر طويلًا.
أما بالنسبة للبلاد العربية التي تمثل دول الجوار الإقليمى فإن نبوءة الباحث قد تحققت بالفعل! فها هي داعش قد ظهرت من بين ركام سوريا، وأعلنت قيام الخلافة الإسلامية وأعلنت البيعة "لأبوبكر البغدادى"، ليس ذلك فقط بل لقد مارست "داعش" جرائمها المنكرة باسم الإسلام للأسف الشديد والإسلام منها براء.
ومما يدل على دقة تنبؤ الباحث أن "داعش" بعد أن تمددت ونفدت إلى أعماق العراق سرعان ما تحولت إلى لبنان وقامت بخطف 23 جنديًا لبنانيًا بادرت لإلقاء الرعب في قلوب اللبنانيين بذبح أحدهم وصورت هذه العملية، وهددت بذبح باقى الجنود إن لم تفرج الحكومة اللبنانية عن المحكوم عليهم من الإرهابيين الإسلاميين والذين يقضون عقوبتهم في السجون.
ويبقى خيرًا الخطر الماثل بالنسبة للدول الغربية ذاتها التي يشارك بعض مواطنيها ممن يحملون جنسيتها -وسواء كانوا مسلمين أو لا في الحرب السورية- فهؤلاء سيعودون يوما إلى أوطانهم الأصلية، ولا شك أنهم سيحاولون ممارسة الإرهاب ضد الكفار في بلادهم.
ويصل هذا التقرير البحثى الأمريكى إلى نتيجة مهمة، وهى أن المؤسسات القومية السورية تتهاوى وتحل محلها الولاءات المحلية أو الأجنبية، ومعنى ذلك انهيار الدولة تمامًا، وحين يؤكد الباحث أنه ليس هناك حل سياسي في الأفق فمعنى ذلك أن الصراع الدموى سيستمر، والأخطر من ذلك أن لهيب الحرب سيمتد إلى دول عربية أخرى.