جماعات المصالح.. وشعب مفعول به
جماعات المصالح، أو جماعات الضغط، أو كما ترسخت في الصورة الذهنية باسم «اللوبي» متأثرة بمفهوم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة تعرفها القواميس السياسية بأنها تلك الجماعات التي يلجأ إلى تكوينها، أو الانضمام إليها بعضُ أفراد أو مجموعات من أفراد مجتمع ما، بهدف التأثير على سياسته العامة بشأن موضوع أو قضية محددة، تمثل بالنسبة إلى هؤلاء الأفراد أو تلك الجماعات مصلحة جوهرية مشتركة تربط بينهم.
ويؤكد التاريخ أن مصر عرفت منذ فجر التاريخ هذا المصطلح وإن كانت الأبحاث التي تمت في هذه القضية قليلة بالمقارنة بأهمية الموضوع..فمنذ عهد الفراعنة كانت هناك في مصر جماعات مصالح تمثلت في رجال الدين أو الكهنة، وكذلك قادة الجيوش الذين لعبوا دورا مهما في تحديد وجهة البلاد الاقتصادية والسياسية..وربما تسببت هذه الحزمة الاحتكارية من جانب رجال الدين والعسكريين في وقوع العديد من الثورات، التي كانت غريبة وقتها في نظر خبراء علم المصريات على شعب كان يعتبر الفرعون إلها لا يجب الثورة عليه..
وهو ما حدث فقد قامت الثورات لتهتف ضد قادة البلاد ولم تقترب من الفرعون الإله..وهو ما تجلي في أول ثورة اجتماعية عرفها التاريخ في عهد الملك «بيبي» الثاني.. وكانت هذه الثورة منذ نحو 45 قرنا في أواخر الأسرة السادسة.. والتي جاءت ضد لوبي الفساد، واحتكار القمح من جانب رجال الحكم..وإذا كانت جماعات المصالح الضاغطة قد استطاعت الاحتماء بالفرعون الإله لفترات طويلة، فإن هذا لم يمنع العمال من الخروج في مظاهرات ضد ظلم المسئولين، وكانت أول مظاهرة في تاريخ العمال في مصر القديمة في قرية دير المدينة، الواقعة الآن غرب مدينة الأقصر، حيث عرف عمال مصر القديمة المظاهرات العمالية والفنية في عهد تشييد وتزيين المقابر.
ومثلما عرف التاريخ المصري القديم جماعات الضغط والمصالح، سارت مصر بصورة ناعمة نحو تشكيل جماعات مصالح، حتى في ظل فترات الاحتلال الخارجية التي احتلت مساحة واسعة من تاريخ مصر..وتشكلت في مصر جماعات مصالح من نوع آخر عقب الفتح العربي لمصر وظهرت طبقة جديدة من الملاك للأراضي والتي بناها الفاتحون الجدد والتي غيرت خريطة الحياة الاقتصادية لمصر وبدأت تتشكل عائلات لها مصالحها من الأجانب الذين استقروا في مصر وظهر ذلك جليا أثناء حكم الأسرة العلوية والتي بدأ محمد على بإعادة تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية بدءا بمذبحة المماليك والقضاء على اقوي لوبي سياسي واحتكار الحياة الاقتصادية بكل تفاصيلها ليعيد تشكيل جماعات المصالح بنفسه وعلي أسس جديدة.
وقامت ثورة يوليو 1952 وبدأت تعيد تشكيل جماعات المصالح من جديد حيث انهارت الكثير من هذه الجماعات تحت وطأة زخم الثورة وبدأ عبد الناصر يصنع جماعات الضغط الجديدة مستلهما تجربة محمد على..فصنع لوبي العمال والفلاحين للضغط على الإقطاع ورجاله، ثم بدأت تتشكل جماعات ضغط جديدة من الطبقة الوسطي..إلا أن الظاهر منها هو أن هذه الجماعات كانت جزءا من مشروع كبير، ضغط به عبد الناصر على الخارج تارة وعلي بقايا رجال الإقطاع القديم تارة أخرى..
والشاهد في الأمر أن هذه الجماعات منها ما كان واضح المعالم وغيرها كان يبحث عن نقطة انطلاق يسيطر فيها على مقدرات البلاد وكانت فرصته عندما بدأ السادات سياسة الانفتاح فكشر لوبي رجال الأعمال عن أنيابه بقوة لتبدأ رحلة النفوذ لتعديل التشريعات السياسية والاقتصادية..حتى وصل إلى ذروة السيطرة في عصر مبارك لتشهد مصر أول سيطرة واضحة من رجال الأعمال على القوت والقرار السياسي.. ولحرصه على أن يؤمن كرسي الحكم ترك الشعب نهبا لجماعات المصالح الفاسدة ليتزوج المال بالسلطة.
سقط مبارك إلا أن جماعات المصالح ازدادت شراسة وذهبت بسرعه الصاروخ لتقدم فروض الولاء والطاعة للسلطان الجديد لتحمي فسادها ويدفع الشعب فواتير جديدة لأنه دائما الطرف الأضعف في معادلة سياسية تجعله دائما إما مفعولا به..أو لا محل له من الإعراب.