ليست نقابة "إحسان" يا عبد القدوس !
في السنوات العشر الأخيره من حكم مبارك لم يترك محمد عبد القدوس وبصفته مسئولا عن لجنة الحريات بنقابة الصحفيين مشاجرة واحدة بين زوج وزوجته إلا وأقام لها ندوة أو تظاهرة على سلم النقابة الشهير متهما فيما جرى -وهو عائلي بالضروره- الحكومة والنظام بالمسئولية عنه..وقياسا على ذلك..لم يترك مشكلة لموظف أو لأسرة أو لعائلة أو لشارع أو لحي أو لقرية أو لمدينة أو لمصنع أو لشركة..ولم يترك اعتصاما أو تظاهرة أو احتجاجا من أي نوع وبأي درجة إلا واستقبل أصحابها واحتفى بالقائمين عليها..وفتح أبواب النقابة للاحتجاج وللتظاهر وكان في الكثير منها محقا..
ولكن..كان أصدقائي يشيدون به وبدوره..وأنه لا يفرق بين مشكلة وأخرى.. أو مظلمة وغيرها..وأنه يتضامن فيما يخص حرية الرأي والتعبير مع اليساري أو الناصري قبل الإخوان والإسلامي..وكنا نقول -وأصدقائي موجودون ويشهدون- إن الرجل يؤدي دوره المطلوب منه إخوانيا..وأن الأمر يتم في سياق تهيئة الأوضاع للثورة على النظام..وأنه يقوم في ذلك بواجبه تجاه جماعته..وكان رأينا يتدخل وصراحة في نيات عبد القدوس وكان زملائي لا يصدقونني ويعتبرون رأينا جزءا من موقفنا المتصل المتواصل الثابت من الجماعة وأعضائها لا فرق عندنا بين واحد وآخر لأن الموقف كان من جماعة وأيديولوجيا وليس من أفراد وأشخاص!
مرت الأيام وأصبح الإخوان في السلطة..وهدموا منصة التيار الشعبي في قلب التحرير..وأدار الإخوان مذبحة الاتحاديه..قتلا وجرحا واختطافا وتعذيبا..وقتلوا جيكا والجندي..واقتحموا الاعتصامات واعتدوا على التظاهرات وأشاعوا الرعب هنا وهناك.. واتصالا..وفي عهد الإخوان رفضت الحكومة تسلم شركات القطاع العام العائده بأحكام قضائية كانت نتاج نضال قانوني لمصريين شرفاء.. وهو ما يعني استمرار إهدار المال العام وتشريد العمال وقد جاء الحل على طبقا من ذهب..وهو ما يعني ذروة الظلم السياسي والاقتصادي..وهو عينه ما كان ينتفض له عبد القدوس ولما هو أقل منه ولسنوات طويلة..
وهنا...وهنا فقط يختفي عبد القدوس! لا حس ولا خبر! لا ندوة ولا مؤتمر! لا تظاهرة ولا اعتصام! أين راعي الحريات بنقابة الحريات؟! أين ذهب العادل الشريف ؟! أين ذهب رجل المبادئ والقيم ؟! وكانت الإجابة: تبخر الرجل بين مزاعم وحجج..اختفي بين تعليمات بالاختفاء..وبين ظهور الإخواني الحقيقي من داخله والذي عاد للظهور عند رحيل الإخوان! واليوم يعود بلا خجل ليمارس الدور نفسه!!
عبد القدوس حر في أن يؤمن بما يشاء..وحر في أن يدير لجنته كيفما يشاء..لكنه ليس حرًا في أن يصمت عن ضيف يهين المصريين ويتجرأ في وقاحة في إهانة نصف شعب مصر دون أن يرد عليه أو يصحح له أو ينبهه لذلك!
من حق عبد القدوس أن يدير لجنته كما يشاء..ومن حق الصحفيين عزله من رئاسة تلك اللجنة..التي راحت الأيام وجاءت وأثبت هو بالدليل أنه يديرها من الباطن لجماعة غير شرعيه.. لجماعة تعادي الآن شعبا بأكمله..عبد القدوس يفتقد الآن النزاهة والموضوعية والشرف النقابي ويفتقد حتى اللياقة والذوق الوطني..وآن له الآن أن يرحل !
عبد القدوس يدير النقابة على عكس ما كان أبوه يريدها..الكاتب والأديب الكبير إحسان عبد القدوس كان يريدها منارة للعلم والثقافة والوعي والوطنية..لم تعد النقابة كما كانت وقت أبيك يا عبد القدوس..فقد أسأت له ولها !
رحيل عبد القدوس عن اللجنة هو الطريق الوحيد لغسل عار ما جري..وعار استخفافه لسنوات طويلة بنقابة محترمة وجمعية عمومية محترمة !
الاعتذار لا يكفي يا عبد القدوس..وعليه أن يرحل طائعا أو مجبرا..بشرط أن يتحمل الصحفيون المسئولية..ويكونوا على مستوى الحدث ومستوى ما يفترض أن يكونوا عليه !
إنه الاختبار الحقيقي ولو نجحوا فيه لكانت بداية تصحيح مسار النقابة وربما المهنة كلها !