ننشر حيثيات حكم "إداري كفرالشيخ" بإعادة موظف "متظاهر" إلى عمله.. التظاهر السلمي حق للمواطن بشرط عدم الإخلال بالنظام العام.. وتطالب الحكومة بإعادة النظر في قانون التظاهر
قضت، اليوم الخميس، محكمة القضاء الإداري بكفرالشيخ، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين عبد الحميد متولى، وزكى الدين حسين، نائبى رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار إحدى الهيئات القومية المستقلة بكفر الشيخ بنقل أحد الموظفين من وظيفته إلى وظيفة أخرى درجتها أقل بسبب مشاركته في إحدى التظاهرات.
وقررت المحكمة إلغاء ما ترتب على القرار من آثار، أخصها تمكين الهيئة له بعودته لعمله الأصلى باعتبار أن ما أتاه تعبير عن حقوقه المشروعة في التظاهر السلمى دون تعطيل لمصالح المواطنين وألزمت الهيئة المصروفات.
عدم تعطيل المصالح
وقالت المحكمة إن رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور أصدر في 24 نوفمبر 2013 قرارًا بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية وحظر فيه بموجب المادة السابعة منه على المشاركين في الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذائهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير فى سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البرى أو المائى أو الجوى أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو التعريض للخطر.
وأضافت المحكمة: وأيا كان الرأى في قانون التظاهر الذي صدر في عهد الرئيس المؤقت للبلاد والمثالب التي توجه إليه، وفى ظل التوجه الجديد للنظام الحالى لتحقيق المزيد من الديمقراطية الحقيقية، فإن أكثر التحديات وما يهدد حرية التعبير أن يكون إيمان النظام الحاكم بها شكليا أو سلبيا، ذلك أنه يتعين أن يكون إصرار الدولة على حرية التعبير قبولا منها بتبعاتها.
وتابعت المحكمة: "وإنه بعد ثورتين متتاليتين للشعب المصرى في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 في زمن وجيز لا يملك أحد مهما علا في الدولة أن يفرض على الشخصية المصرية صمتًا ولو بقوة القانون، وحينئذ يكون عدوان الدولة على حرية التعبير بما يعطلها أو يقلصها مولدًا للفزع منها ومثيرًا لبطشها ومغريا بعصيانها بالأعراض عن تطبيقها في حياة المواطنين، وهو ما يباعد بين الدولة ومواطنيها، وإن هي أقدمت على تقييد حرية التظاهرات السلمية والتعبير على هذا النحو كان ذلك منها إهدارًا لسلطان العقل المصرى وتغييبًا ليقظة الضمير الوطني".
وسيلة للتنفس
وذكرت المحكمة في حكمها أن الشعوب تتعاطف مع بعضها البعض سعيًا للحرية، وأن حرية التظاهر السلمى أضحت من حقوق الإنسان العالمية باعتبارها إحدى الوسائل المعبرة عن الإرادة الجماعية للمواطنين يمارسونها كوسيلة للتنفيس عما تعانيه من بؤس اقتصادى عجزت السلطة عن معالجته وللضغط على الحكومة لتفتح عينيها على مصالح مشروعة لم تكن تراها أو كانت تتجاهلها حتى تتوافق سياستها مع الأحاسيس العامة للجماهير.
وأشارت إلى أن حرية إبداء الرأى من خلال التظاهرات السلمية من الأدوات اللازمة لضمان إصلاح الحكم، وأن الحكم الرشيد الذي يبغى خير الوطن متجردا عن الأمجاد الزائفة والمكاسب الشخصية هو الذي يعمل على تدعيم أواصر تلك الحرية ويحرص على ممارسة المواطنين لها للتعرف على رغباتهم وسبل تحقيقها ليتسنى للمحكومين الإخبار والتعليق على تصرفات المسئولين، مما يكفل سلامة تصرفات حكامهم فيكون لتلك الحرية دورها المؤثر في رقابة الشعب على حكامه، وبغير ذلك لا يبدو للشعب أى دور في متابعة حكامه وإجبارهم -حال عدوانهم على تلك الحرية- سبل الطريق الديمقراطى القويم.
ميلاد للحرية
واختتمت المحكمة قائلة إن حق التعبير هو ميلاد للحرية وإن واجب إصغاء الدولة هو الذي يمنح الحياة لتلك الحرية ودون ذلك الإصغاء يصبح مولود الحرية مسخًا في التكوين الإنسانى، وقد بات مستقرا في ظل الأنظمة الديمقراطية الحديثة أن انتقاد القائمين بالعمل العام والمسئولين عن طريق التظاهر السلمى حق من حقوق المواطنين شريطة ألا يمس النظام العام بمخاطر تهدد استقراره.
وتابعت: "النقد يجب ألا يكون منطويًا على آراء تنعدم قيمتها الاجتماعية كتلك التي تكون غايتها شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية أو التي تنطوى على مجرد الفحش أو محض التعريض بالسمعة وإنما يكفى أن تكون لتلك الآراء في نقد المسئولين لها بعض القيمة الاجتماعية حتى لا تتخذها الدولة ذريعة تصادر بها حرية الناس في النقاش أو الحوار".
إعادة قراءة قانون التظاهر
ودعت المحكمة الحكومة إلى إعادة قراءة قانون التظاهر الذي وضعه الرئيس المؤقت عدلي منصور في فترة عصيبة للبلاد للانتقال من نظام حكم لنظام حكم جديد ارتضاه الشعب، وذلك حتى تتفق نصوص هذا القانون مع التوجه الديمقراطى الحقيقى الذي يرتضيه الشعب، ويجب أن يسعى إليه ذلك النظام الجديد، ليمارس المواطنون حقوقهم المشروعة في التظاهر السلمى والتعبير عن آراء لها قيمتها الاجتماعية، وبما لا يخل بحق الدولة في الحفاظ على النظام العام ومواجهة المخاطر التي تهدد استقراره.